هل ستشهد أسعار الذهب مزيداً من الارتفاع؟

هل ستشهد أسعار الذهب مزيداً من الارتفاع؟
طرح تقرير بنك قطر الوطني سؤال حول: هل ستشهد أسعار الذهب مزيداً من الارتفاع؟
وقال البنك، أن الذهب يحتل مكانة فريدة في الاستثمار في العصر الحديث.
فهو لا يولد أي تدفقات نقدية، ويتطلب تكاليف تخزين، وفائدته الصناعية محدودة، ولكن على الرغم من ذلك، فإنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين الأسر، والجهات السيادية، والمؤسسات الاستثمارية.
وإلى جانب دوره التاريخي كمرساة للاستقرار النقدي، اكتسب الذهب مؤخراً وظيفة أكثر حداثة، تتمثل في تخفيف المخاطر.
وكان هذا النوع من الطلب على الذهب مدعوماً بفكرة أنه يُعتبر أداة رئيسية لتنويع المحافظ الاستثمارية للحماية من التضخم والأزمات المالية والصراعات الدولية والأهلية.
وتجدر الإشارة إلى أن مرونة الذهب في مواجهة الصدمات الاقتصادية، مثل الأزمة المالية الكبرى في الفترة 2008-2009 أو جائحة كوفيد-19، تؤكد دوره كأداة تحوط ضد المخاطر النظامية وعدم استقرار الاقتصاد الكلي.
أسعار الذهب
في السنوات الأخيرة، ارتفع سعر الذهب بشكل ملحوظ، وتسارعت هذه العملية خلال الأشهر القليلة الماضية.
وقبل التراجع الأخير، وصلت أسعار الذهب إلى 3,500 دولار أمريكي للأونصة، مسجلة أعلى مستوياتها على الإطلاق لعدة أشهر.
بعد هذا الارتفاع الكبير، الذي بلغت نسبته 114% منذ جائحة كوفيد و92% منذ بدء الصراع الروسي الأوكراني، من الطبيعي أن يتساءل المحللون والمستثمرون عما إذا كان هناك مجال لمزيد من الارتفاع في أسعار الذهب خلال السنوات المقبلة.

وتفوق أداء الذهب بصورة حاسمة على كافة فئات الأصول الرئيسية، الأمر الذي يشكل تحدياً للتصور القائل بأن الذهب يعمل فقط كوسيلة للتحوط.
ويؤكد هذا التفوق المستمر في الأداء أن الذهب، على الرغم من اعتباره تقليدياً كملاذ آمن أثناء الأزمات، من الممكن أن يولد عوائد قوية في ظل الأوضاع المختلفة للاقتصاد الكلي.
وتشير المكاسب المستمرة التي حققها الذهب مقارنة بالأسهم والسندات والسلع الأساسية منذ أوائل عام 2020 إلى أنه يستحق أن يُنظر إليه ليس فقط كاحتياطي وقائي، بل كأصل استراتيجي يعزز العائدات ضمن المحافظ المتنوعة.
وهذه الميزة المزدوجة، المتمثلة في توفير المرونة أثناء حالات عدم اليقين مع تحقيق زيادة كبيرة في رأس المال عند تزايد رغبة المستثمرين في الإقدام على المخاطر، تعزز مكانة الذهب باعتباره من الحيازات الأساسية.
وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على البيئات التي تتسم بارتفاع معدلات التضخم، أو هبوط قيمة العملة، أو انخفاض سعر الصرف الأجنبي، أو التقلبات المطردة في السوق.
عوامل ارتفاع الذهب
يرى تقرير QNB أنه على الرغم من الارتفاع الكبير في أسعار الذهب، لا يزال هناك مجال لحدوث مزيد من الارتفاع في الأسعار على المدى المتوسط، نظراً لأن أوضاع الاقتصاد الكلي العالمي تُعتبر داعمة للذهب.
ويستند القرير إلي عاملين رئيسيين هما:
الأول تعززت جاذبية الذهب بفضل الاتجاهات الجيوسياسية طويلة الأمد،
بما في ذلك احتدام التنافس الاقتصادي بين الغرب والشرق، وتراجع التعاون الدولي،
وتصاعد النزاعات التجارية، وتزايد الاستقطاب السياسي، واستخدام العلاقات الاقتصادية “كسلاح” من خلال العقوبات.
وقد ازداد هذا الوضع حدة بعد الصراع الروسي الأوكراني و”الحروب التجارية” التي شنتها الولايات المتحدة.
في عصر يتسم بمزيد من عدم الاستقرار الجيوسياسي، تتزايد أهمية الذهب
كأصل ملموس ومحايد من الناحية القضائية قابل للاستخدام كضمان في مختلف الأسواق.
وانعكاساً لهذه الحركة، ظلت البنوك المركزية عبر العالم تراكم كميات كبيرة من الذهب بمعدل غير مسبوق منذ عدة قرون.
ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، تضاعف الطلب الإضافي للبنوك المركزية على الذهب بعد الصراع الروسي الأوكراني في عام 2022، من 450 طناً سنوياً إلى أكثر من ألف طن سنوياً.
ومن اللافت أنه على الرغم من زيادة الطلب الرسمي على الذهب من البنوك المركزية، لا يزال هناك مجال كبير لاستمرار عملية مراكمة الذهب لفترة أطول أو إعادة توازن المحافظ نحو المعدن النفيس.
وفي حين تميل الاقتصادات المتقدمة الكبيرة إلى الاحتفاظ بحوالي 25% من احتياطياتها من النقد الأجنبي في الذهب،
فإن البنوك المركزية الكبيرة في الأسواق الناشئة تحتفظ بأقل من 8% فقط من احتياطياتها من النقد الأجنبي في الذهب.
وبالنظر إلى أن هذه البنوك المركزية في الأسواق الناشئة تحتفظ بحوالي 6 تريليون دولار أمريكي من احتياطيات النقد الأجنبي،
فهناك مجال لاستمرار عملية إعادة توازن المحافظ لعدة سنوات من قِبل مسؤولي الاحتياطيات بتلك البنوك المركزية. ومن شأن هذا الأمر أن يدعم الطلب المؤسسي الثابت على الذهب على المدى الطويل.
تحركات أسعار الصرف
ويتوقع التقرير أن تشكل تحركات أسعار الصرف الأجنبي دعماً إضافياً لأسعار الذهب.
تاريخياً، أظهر الذهب علاقة عكسية قوية مع الدولار الأمريكي – حيث يرتفع عادة عندما يضعف الدولار الأمريكي وينخفض عندما تزيد قيمة هذا الأخير.
وقد انخفض الدولار الأمريكي بالفعل بأكثر من 6.9% مقابل سلة من العملات الرئيسية حتى الآن هذا العام.
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من هذا الانخفاض الحاد في قيمة الدولار الأمريكي،
لا تزال تقييمات العملات تشير إلى أن الدولار الأمريكي يظل مبالغاً في قيمته بأكثر من 15%، مما يشير إلى وجود مجال أكبر لانخفاض قيمته مستقبلاً.
ومن المرجح أن يؤدي تراجع قيمة الدولار الأمريكي إلى دعم أسعار الذهب مستقبلاً، إذ يعزز ذلك القوة الشرائية العالمية للسلع المقومة به مثل الذهب، مما يحفز الطلب ويوفر دعماً إضافياً للأسعار.
علاوة على ذلك، وبينما يسعى المستثمرون إلى التحوط من تآكل القوة الشرائية المرتبط بانخفاض قيمة الدولار الأمريكي، فإنهم غالباً ما يلجؤون إلى الذهب كمستودع بديل للقيمة.
ونتيجة لذلك، فإن انخفاض قيمة الدولار الأمريكي عادة ما يزيد الطلب على الذهب ويعزز زخم ارتفاع أسعاره.
بشكل عام، يري تقرير QNB أنه على الرغم من الانتعاش الكبير الذي شهدته أسعار الذهب في الأشهر الأخيرة، لا يزال هناك مجال لمزيد من الارتفاع في أسعاره على المدى المتوسط.
وهذا السيناريو مدعوم بزخم قوي عبر مختلف المنظومات الاقتصادية الكلية والاتجاهات الجيوسياسية طويلة الأجل، في ظل إعادة التوازن لمحافظ البنوك المركزية وتحركات أسعار الصرف