لماذا تسأل بنوكٌ عن الانتماءات السياسية لعملائها ولأقاربهم عند تحديث البيانات؟

انزعج العديد من عملاء البنوك عن تشدد البنوك المحلية في الاستفسارات التي توجهها لهم عند تحديث بياناتهم، التي تطرقت إلى أسئلة متعلقة بشغل العميل مناصب سياسية، أو جود أحد من الأقارب من الدرجتين الأولى والثانية يشغل وظائف سياسية أو دولية عامة حاليًا، أو كان يشغلها في السابق، وماهية هذه الوظيفة إن وجدت، إضافة إلى أسئلة خاصة بدفع ضرائب في أى دول أخرى.

 نظرًا لتشدد البنوك وشركات الصيرفة في ضرورة قيام العملاء بملء استمارات “اعرف عميلك”، أحدث ذلك انزعاج العديد من العملاء عند عملية تحديث البيانات على اعتبار أن مثل هذه الإجراءات والاستفسارات تمس سرية العميل والحرية الشخصية، وهو ما دفع “السياسة ” للتوجه لبنك الكويت المركزى لاستيضاح الموضوع، حيث أكد أن هذه الأسئلة ضمن سياسة “اعرف عميلك” التي تطبقها البنوك التزامًا بتعليماته التى تأتى في إطار المتطلبات الدولية لمكافحة غسل الأموال، كما أن إجراء (اعرف عميلك) في البنوك من الإجراءات المتداولة عالميًا وليس له أى أغراض سياسية، إضافة إلى أن المعلومات التى يقدمها العميل تعتبر معلومات سرية جدًا ولا يتم تداولها (بيانات العملاء السرية).

تعليمات المركزي:

 قالت مصادر مصرفية لـ”السياسة” إن هذه الإجراءات التي تطبقها البنوك تأتي بناءً على التعليمات التي صدرت عن “المركزي” في شهر يوليو من العام 2013، وتأتي في إطار الحرص على سلامة القطاع المصرفي خصوصًا بعد انتشار الجرائم الاقتصادية والإلكترونية، حيث بدأت البنوك بتحديث بيانات عملائها بشكل دوري ومستمر، لتغطية أي معلومات جديدة تطرأ على العميل، سواء كانت هذه المعلومات اجتماعية أو مالية.

وأوضحت المصادر أن الهدف من استيفاء تلك المعلومات هو تجنب العمليات غير الشرعية المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحة الفساد، مشيرة إلى أن ذلك يأتي تطبيقا لسياسة “اعرف عميلك” وذلك في اطار الالتزام بتطبيق القانون 106 لسنة 2013 الخاص بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وأشارت إلى أن تلك التعليمات تشمل البنوك المحلية وشركات التمويل والصرافة، وجميعها مؤسسات خاضعة لرقابة بنك الكويت المركزي، حيث جاءت بناءً على التزام دولة الكويت بما يصدر عن منظمة الأمم المتحدة من اتفاقيات، وما ينبثق عنها من معايير دولية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

طبيعة البيانات:

 أكدت أن المعلومات التي يجري تحديثها تتضمن: صلة القرابة بسياسيين، والأرقام الهاتفية، والبريد الإلكتروني، وجهة العمل، وعنوان المنزل، ونموذج التوقيع، ومصادر الدخل الرئيسية والإضافية، كما تتضمن عملية التحديث أيضًا حق البنك في تجميد التعامل على الحساب عند انتهاء سريان مفعول هوية العميل، وعدم تحديثه لجميع البيانات.

وأوضحت أن القواعد أوجبت أيضًا ضرورة إبلاغ البنوك لعملائها بتاريخ تجميد الحساب قبل شهر على الأقل وتتطلب تلك التحديثات تزويد العميل للبنك بصورة عن البطاقة المدنية حديثة غير منتهية.

ولفتت إلى أن ضوابط عملية تحديث البيانات تحقق للبنوك بيئة مصرفية مالية خالية من عمليات غسل الأموال والعمليات المرتبطة بتمويل الإرهاب وغير المشروعة، ما يحقق للكويت مركزاً متقدماً للغاية على مستوى المنطقة والعالم، في قدرتها على التعامل مع عمليات غسل الأموال ومكافحتها رغم الحرية المالية والاقتصادية التي تتمتع بها الكويت.

وأشارت إلى أن الإجراءات ستعزز من مكانة الكويت كوجهة وبيئة جاذبة للاستثمارات والأموال النظيفة على المستوى الدولي.

الرأي القانوني:

 أوضحت المصادر أن الأسئلة الشخصية التي توجهها المصارف للعملاء بجنسياتهم كافة تعد أمرًا طبيعيًا ومن صميم عمل البنوك المحلية وبتوجيه من بنك الكويت المركزي، بيد أن الرأي القانوني اختلف في احقية البنوك في الاستفسارات عن بعض الأمور الشخصية، معتبرًا أن تلك الاستفسارات غير دستورية، لاسيما أن تلك الأسئلة لا ترتبط بالحصول على قروض أو تسهيلات مصرفية للأفراد.

وأضافت، أن تلك الأسئلة والاستفسارات تعتبر حماية للبنك من شبهات الأموال المشبوهه وشبهات غسيل الأموال التي تنتشر في ربوع العالم كافة، مضيفة أن البنوك في دول العالم كافة تتبع سياسة الشفافية من قبل العميل إلى البنك وهي معرفة لدينا بسياسة “اعرف عميلك”.

دستورية الإجراءات:

 وقال الخبير القانوني والدستوري الدكتور محمد الفيلي “إن استفسارات البنوك والمصارف لمعلومات شخصية سواء أقارب من الدرجة الأولي أو غيرها،أو السؤال عن تقلد أحد الأقارب مناصب سياسية في الموطن الأصلي للمقيم غير قانوني أو دستوري، مؤكداً أن تلك الأسئلة غير متصلة بعمل البنك ولا ترتبط الأسئلة الموجهه للعميل بالحصول على قروض أو تسهيلات مصرفية.

وأضاف الفيلي أن الأسئلة التي توجه إلى العمل في البنوك تركز على المعلومات الشخصية ولا تتطرق إلى الأقارب والصلات البعيدة.

وفيما يتعلق بالأسئلة التي توجه إلى العملاء حول دفع الضرائب من عدمة في موطنهم الأصلي أفاد د.الفيلي أن الضرائب تعتبر شقًا آخر يعتمد على العلاقة بين الدول بعضها البعض، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقيات بين بعض الدول تحتم على حاملي الجنسية دفع الضرائب والالتزام بها حتي وإن كانوا بعيدين عن الوطن، ضاربًا مثلًا لتلك القضية بقانون فاتكا الخاص بالضرائب الأمريكية.

سياسات عالمية:

من جانبه قال الخبير المصرفي عبدالمجيد الشطي “إن توجيه الاسئلة للعملاء في البنوك حق أصيل للمصارف وللعلاقة التي تحكمها مع العميل، مشيراً إلى أن تلك السياسات تعتبر سياسات عالمية ولا تقتصر على بنوك ومصارف في دول بعينها”.

وأضاف الشطي في تصريحات لـ”السياسة” أن الأسئلة التي توجهه للعميل من صميم عمل البنك أولًا ومن صميم عمل البنك المركزي في المقام الثاني، مؤكدا ان تلك الاسئلة والاستفسارات تعتبر حماية للبنك من شبهات الأموال المشبوهه وشبهات غسيل الاموال التي تنتشر في ربوع العالم كافة.

واوضح الشطي انه عند شراء العميل لاسهم او سندات او فتح حساب في البنوك في كافة دول العالم تتبع سياسة الشفافية من قبل العميل الى البنك وهي معرفة لدينا بمصطلح اعرف عميلك، ولفت إلى أن الأسئلة المطروحة من قبل البنوك تتساوي في أنواعها للعميل العادي أو السياسي على نفس السواء، منوهًا إلى أن الهدف من تلك الإجراءات حماية العميل والبنك من المخاطر الموجودة في العالم.

رقابة مصرفية:

 من جانبه قال رئيس مكتب الجرائم المالية والتجارية في الولايات المتحدة د.جمال عبدالرحيم “إن هناك إجراءات وتعليمات واضحة من “المركزي” إلى البنوك والشركات الخاضعة لرقابته بخصوص العمليات المالية التي يقوم بها الأفراد والمؤسسات من خلال اتباع سياسية “اعرف عميلك” التي تتيح معرفة العديد من البيانات الخاصة للعميل، والتي من ضمنها استيفاء معلومات عن ما إذا كان العميل أو أقاربه من الدرجتين الأولى والثانية “معرض سياسيًا” أي يشغل وظائف سياسية،أو دولية عامة حاليًا أو كان يشغلها في السابق، وماهية هذه الوظيفة إن وجدت”.

 وأضاف عبدالرحيم أن المشرع الكويتي وضع الأشخاص الذين لهم صفة القرابة الأولى والثانية في مرتبة الأشخاص المعرضين سياسيًا وهو أمر غير واقعي تطبيقه في الكويت، ولذلك هناك قصور في تطبيق سياسية أعرف عميلك التي تطبقها البنوك.

 وأوضح أن سياسة “اعرف عميلك” المطبقة حالياً لا تصبو إلى ما يتطلبه الشارع الكويتي لردع المخالفين والمتجاوزين من الشخصيات المعرضة سياسيًا عن الفساد وتهريب الأموال والسرقة، خصوصًا وأنه لا يوجد أي قاعدة بيانات تبين من هم الأشخاص المعرضين سياسياً وفق ما يتطلبه القانون، حيث تفتقر الكويت لقاعدة بيانات بهذا الخصوص.

تحقيق – عبدالله عثمان وأحمد فتحي:

زر الذهاب إلى الأعلى