دور المدراء الماليين في مساعدة الشركات الصغيرة على التعافي
يخوض الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة ظروفاً متقلبة منذ عام وأكثر، ورغم أنّها تساهم بحوالي 52% من إجمالي الناتج المحلّي غير النفطي لدولة الإمارات العربية المتحدة وفقاً لتقديرات وزارة الاقتصاد في ديسمبر 2019، إلّا أنّ غياب الاحتياطيات المالية الكبيرة أو انعدام المرونة في خفض التكاليف يعرضها لمخاطر متواصلة. ويمكن لهذا العنصر الحيوي في اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة أن يتعرض للانهيار جرّاء الاضطرابات الهائلة الناجمة عن كوفيد-19. وبالرغم من التحدّيات، فقد تتيح الظروف الاقتصادية الحالية الغامضة لهذه الشركات الصغيرة والمتوسطة فرصة الاستفادة من حجمها الصغير عبر اعتماد منهجية عمل تتميز بالسرعة والمرونة.
وتزامناً مع سعي هذه الشركات إلى التعافي بعد الجائحة، فإن مسؤولية مديريها الماليين لا تقتصر على الأرقام، بل يتعين عليهم العمل أيضاً كشركاء أعمال مؤثّرين يمكنهم رؤية الصورة الأكبر وفهم خصوصيات مؤسّساتنا وعمومياتها وبالتالي تحديد أفضل الطرق للنجاح.
وفي ما يلي بعض السبل التي يمكن للمدراء الماليين في الشركات الصغيرة اعتمادها لدعم المدراء التنفيذيين والشركاء متعدّدي الوظائف.
ضمان الدقة
يحتاج أصحاب الشركات ومدراؤها إلى رؤية واضحة لأدائهم المالي من أجل اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المخزون والنفقات والتوظيف واستثمارات رأس المال وأمور أخرى. ويتوجّب إذاً على المدراء الماليين التأكّد من تقديم تقارير دقيقة وعالية الجودة وفي الوقت المناسب. أعرف مثلاً شركة صغيرة تلقّت تقاريرها المالية بعد أكثر من 60 يوماً من نهاية الشهر؛ ولأنّها لم تغلق فترات التقارير بانتظام، فقد تغيّرت أرقامها التاريخية باستمرار.
التدفّقات النقدية
بالنسبة للشركات الصغيرة، النقد هو الذي يحكم. إنّه شريان الحياة للشركة. وبدونه، نطفئ الأنوار ونغلق الأبواب ونعود إلى بيوتنا. لذلك، يجب على المدراء الماليين إيلاء اهتمام خاص للتدفق النقدي. فإنّ التعافي بالنسبة للعديد من الشركات الصغيرة بعد أكثر من عام من الصعوبات المالية سيعتمد على قدرة هؤلاء المدراء على ضمان تدفّق النقد من جديد. ولكن يتعيّن عليهم توسيع إطار مهامهم بحيث لا تقتصر على مراقبة التدفّق النقدي – بل يجب عليهم أيضاً إدارته بشكل استباقي. وعلى سبيل المثال، يستوجب التمويل الضمان الصارم لتسديد العملاء دفعاتهم بانتظام وبالكامل وفي الوقت المحدّد؛ فهذا ليس الوقت المناسب لانزلاق المدفوعات عن المسار.
الخطط الاستراتيجية
بالنظر إلى ما بعد كوفيد-19، تبرز ضرورة أن تعيد فرق القيادة صياغة خططها الاستراتيجية، أو أن تضعها إذا لم تكن موجودة أساساً. (وللأسف، هنالك الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي ربّما لم تعط إجمالاً الأولوية للتخطيط الاستراتيجي.) وبعد فهم الأداء المالي وتوقعاته، يستطيع القادة الماليون – كما يتوجّب عليهم – أن يكونوا مؤثّرين في مرحلة ما بعد الجائحة.
وكمثال على ذلك، لطالما ركّزت مجموعة شركات “بلاستيك تكنولوجيز إنك” (PTI) – الشركة التي أعمل كمدير مالي لها –على البحث والتطوير (R&D) لابتكار تقنيات مستدامة للتعبئة والتغليف، بما في ذلك التصنيع المتخصّص الذي تم طرحه في البداية كامتداد لخدمات البحث والتطوير لدى الشركة. وبعد وصولي، طوّرنا خطة متعدّدة السنوات، تضمّنت الاستثمار الكبير في معدّات التصنيع الجديدة بناءً على تقييمنا الاستراتيجي بأنّ التصنيع المتخصّص ينطوي على إمكانات غير مستغلّة. وعندما حلّ الوباء، رأينا زيادة ملحوظة في الطلب على حاوياتنا بالتماشي مع طلب المستهلكين على معقّمات الأيدي وغيرها من المنتجات ذات الصلة في تلك المرحلة. وتمكّنّا بالتالي من تنفيذ استراتيجياتنا بثقة وبشكل أسرع ممّا كان مخطط له.
المدى القصير
من ضروريات العمل التي تساهم في تعافي الشركات الصغيرة مواجهة التحدّيات قصيرة الأجل والتخطيط للطوارئ. فما هي مثلاً خطتك للانتقال من العمل عن بعد إلى الحضور؟ هل سيعود موظّفوك إلى المكتب بدوام كامل، أم ستسمح لهم بترتيبات العمل المختلطة؟ يجب على المدراء الماليين إذاً البتّ في القوانين الحالية، بما فيها تلك الخاصة بارتداء قناع الوجه والالتزام بالتباعد الاجتماعي. كما يجب عليهم المواظبة على استطلاع الآراء من خلال التحقيق مع الموظفين حول هكذا قرارات. وانعكاساتها.
ومن واجبات المدراء الماليين أيضاً التأكّد من أنّ فريق القيادة يخصّص وقتاً للتخطيط للطوارئ. وبالرغم من الأقاويل التي تشير إلى أنّنا على وشك التخلّص من الوباء، لكن قد تكون هنالك فترات من الخطر على الاستثمارات التي يتم إجراؤها على أساس التعافي الاقتصادي السريع والمطّرد. وبصفتنا قادة ماليين، يتوجّب علينا أن نراقب الاتجاهات واحتمالات عودة ظهور الفيروس. وفي حال حدوث انتكاسة، يجب أن نكون مستعدّين لطرح الفرص المناسبة لخفض التكاليف وحماية الأعمال.
العمل كمحفّز للاستدامة
قد يشكّل المدراء الماليون حافزاً للتغيير في المسائل المتعلّقة بالاستدامة – الموضوع الذي يكتسب أهمية متزايدة لدى الشركات الكبيرة والصغيرة. فقد يساهم هؤلاء المدراء في دمج جوانب الاستدامة في التقارير إلى جانب المقاييس المالية التقليدية، وبالتالي تحقيق التوازن بين المحصلة النهائية والمخاوف طويلة الأجل. ومن شأن تبنّي الاستدامة توليد فوائد مالية ملموسة عند التسويق للشركة على أنّها مستدامة وواعية للقضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG).
بناء العلاقات الرئيسية
تميل العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى اعتبار علاقاتها مع المصارف وشركات المحاسبة ووسطاء التأمين ضد المسؤولية وغيرهم تحصيل حاصل. ولكنّ هذا الرضا الذاتي يشكّل خطراً حتى في أفضل الأحوال. ومن الضروري تعزيز هذه العلاقات تحسّباً للفترات العجاف، سواء من أجل توفير التكاليف أو تحسين الفوائد أو تحقيق امتثال أكبر. ويأتي هنا دور المدراء الماليين في المبادرة وترسيخ علاقات قيّمة مع أولئك الشركاء.
وبينما تكافح الشركات الصغيرة والمتوسطة في سبيل التعافي والنمو هذا العام، فإنّنا، كمدرائها الماليين، مسؤولون عن توفير قيادة فعّالة في كل تلك المجالات، بما يتجاوز مجرّد تتبّع الأرباح والخسائر وإغلاق الحسابات. وستكمن أهمّيتنا في توجيه شركاتنا عبر المياه المضطربة نحو شواطئ أكثر إشراقاً ما بعد الجائحة، مع مراقبة المخاطر المحتملة وإعادة تصوّر الوجهة طويلة الأجل.
بقلم ج. ستيفان ماكنالي، المدير المالي التنفيذي لدى مجموعة شركات “بلاستيك تكنولوجيز إنك” (PTI)، وحاصل على شهادتي محاسب إداري معتمد (CMA) ومحاسب قانوني معتمد (CPA)