العالم يواجه انهيار البنوك
العالم يواجه انهيار البنوك.. فهل تنتقل العدوى لدول أخرى؟
يبدو أن شهر مارس أصبح شهر الأزمات، فما إن يأتى شهر مارس حتى يأتى معه انفجار أزمة جديدة، وهذا العام أزمة انهيار البنوك فى أمريكا وأوروبا.
ففى عام 2020 انفجرت أزمة جائحة كورونا واتخذ البنك المركزى المصرى العديد من القرارات فى شهر مارس تستهدف التقليل من آثار الأزمة،
وفى عام 2022 كان الحرب الروسية الأوكرانية فى فبراير، واتخذ البنك المركزى العديد من الإجراءات فى مارس 2022.
وأصيب القطاع المصرفى الأمريكى، يوم 11 مارس بفاجعة مالية، بعد إغلاق السلطات الأمريكية لبنك سيليكون فالى، فى أكبر انهيار لبنك أمريكى منذ الأزمة المالية العالمية فى عام 2008،
والتى اندلعت شرارتها مع إفلاس بنك ليمان براذرز (Lehman Brothers). ونتيجة للخوف والذهر هبط سعر أسهم البنك 60%،
وأسهم البنوك 40% وتكالب المودعين على سحب أموالهم، وهو ما دفع الاحتياطى الفدرالى (البنك المركزى الأمريكي)
إلى إطلاق برنامج قروض يوم 12 مارس منح 12 مليار دولار حتى يوم 15 مارس بهدف توفير السيولة للبنوك
لتلبية ضغوط سحب الودائع ومنع المزيد من الانهيار ولكن العدوى انتقلت بسرعة لينهار بنوك سيجنتشر وفيرست ريبابليك،
وقام 11 بنكاً بإيداع 30 مليار دولار فى بنك فيرست ريبابليك بهدف دعم الثقة فى النظام المصرفى.
وقامت إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك 12 مارس بالاستحواذ على بنك سيجنتشر وألحقت صفة المستلم بالمؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع،
وذلك فى ثانى حالة إفلاس لبنك فى غضون أيام. موضحاً أن الودائع لدى بنك سيجنتشر بلغت حوالى 88.59 مليار دولار فى المجمل حتى يوم 31 ديسمبر.
أموال المودعين آمنة
وتوالت ردود الفعل العالمية والمحلية فقد أعلن البنك المركزى المصرى أن البنوك المصرية لم تتأثر من إفلاس بنك سيليكون فالى، ولا توجد أى إيداعات للأزمة على البنوك المصرية
ويراقب البنك المركزى المصرى وفقاً لتصريحات للوفد الوضع العالمى من كثب،
ويتخذ العديد من الإجراءات من أجل سلامة الجهاز المصرفى، مؤكداً أن خطة الإصلاح التى بدأت منذ عام 2004
كانت لها آثار إيجابية على حماية القطاع من الأزمات التى شهدتها مصر سواء محلياً أو عالمياً سواء عام 2008 أو 2011 أو 2020 أو 2022
والمراقب لأداء البنك المركزى المصرى يجد أنه يأخذ فى الاعتبار كافة المخاطر التى يمكن أن يتعرض له البنك
سواء حدثت أو لم تحدث، لهذا منع تركز القروض فى قطاع محدد، أو فرد محدد أو شركة أو مجموعة إم،
كما قام برفع رؤوس أموال البنوك مرتين الأول بقانون 2003 إلى مليار جنيه، والثانية بقانون 2020 إلى 5 مليارات جنيه، وكذلك فروع البنوك الأجنبية.
و أن القطاع المصرفى يعانى فائضاً فى السيولة قدرها مصدر بالبنك المركزى المصرى بأنها تتجاوز 700 مليار جنيه،
وتخضع البنوك لرقابة صارمة من البنك المركزى سواء مكتبية أو ميدانية، ويتابع البنك المركزى حركة السيولة فى البنوك.
العدوى فى أوروبا
وانتقلت العدوى إلى أوروبا، حيث أعلن البنك المركزى الأوروبى فى 15 مارس 2023 إلغاء رخصة مصرف «بلطيق إنترناشونال بنك»
بعد إعلان السلطات اللاتفية فى ديسمبر الماضى أن البنك انهار أو على وشك الانهيار.
ودخل قرار سحب الرخصة فى 11 مارس الماضى، ويخضع بلطيق إنترناشونال بنك لإشراف من البنك المركزى اللاتفى لاتفيا بنك منذ 1 يناير 2023.
وتدخل البنك المركزى السويسرى وهيئة الرقابة على السوق المالية السويسرية بشكل سريع وتم الإعلان عنه
دعم بنك كريدى سويس بالسيولة المطلوبة إذا لزم الأمر.
وأعلن بنك كريدى سويس السويسرى المتعثر اعتزامه اقتراض ما يصل إلى 50 مليار فرنك (54 مليار دولار) من البنك المركزى السويسرى
بعد وقت قصير من تراجع سعر سهمه إلى مستوى قياسى منخفض.
وقال البنك فى 16 مارس إنه يتخذ تحركاً حاسماً لتعزيز سيولته النقدية بشكل احترازى،
باعتزامه ممارسة خيار الاقتراض من البنك المركزى السويسرى بما يصل إلى 50 مليار فرنك.
وكانت أسهم البنك قد تراجعت بما يقرب من 25%.
وسعى المستشار الألمانى أولاف شولتس إلى تهدئة المخاوف من حدوث أزمة مالية جديدة جراء انهيار بنك سيليكون فالى والمشاكل فى بنك كريدى سويس
قائلاً إن النظام المصرفى يتمتع بمرونة أكبر وإن الاقتصاد أقوى مما كان عليه فى المرة السابقة وهو ما يضمن سلامة المدخرات.
أكد وزير المالية اليابانى شونيتشى سوزوكى الأربعاء 15 مارس أن القطاع المصرفى اليابانى لن يشهد حوادث مماثلة لانهيار بنك (سيليكون فالي) الأمريكى،
نظراً لاختلاف هيكل ودائع البنوك بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية.
جو بايدن
أكد الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى أكثر من تصريح كان البداية يوم الاثنين 13 مارس 2023
أن النظام المصرفى الأمريكى آمن، وتعهد بتشديد اللوائح المصرفية
بعد اضطرار الجهات التنظيمية فى الولايات المتحدة إلى التدخل بسلسلة من الإجراءات الطارئة على أثر انهيار بنكى سيليكون فالى وسيجنتشر.
وقال بايدن: «بإمكان الأمريكيين أن يثقوا فى أن النظام المصرفى آمن. ودائعكم ستكون موجودة عندما تحتاجون إليها».
كما تعهد بايدن بوضع لوائح تنظيمية جديدة بعد أكبر واقعة انهيار لبنك أمريكى منذ الأزمة المالية عام 2008،
وقال: «سأطلب من الكونجرس والجهات التنظيمية المصرفية تشديد قواعد عمل البنوك
لتقليل احتمال حدوث هذا النوع من الإخفاق المصرفى مرة أخرى، وحماية وظائف الأمريكيين».
وأكد رئيس البنك المركزى الأمريكى جيروم باول يوم الأربعاء 22 مارس 2023
أن أموال المودعين بأمان فى بنوك الولايات المتحدة، فيما يشهد النظام المصرفى العالمى اضطرابات بعد انهيار مصارف أمريكية.
وذكّر باول خلال مؤتمر صحفى عقب اجتماع لجنة السياسات النقدية بأن النظام المصرفى الأمريكى متين،
مشدداً على أن الاحتياطى الفيدرالى عازم على أخذ العبر مما حصل. وأضاف: سنستمر فى مراقبة الوضع من كثب
ونحن مستعدون لاستخدام كل الأدوات المتاحة وسنتدخل إذا تطلب الأمر من أجل الحفاظ على أمان هذه الأموال.
وتابع: مشاكل البنوك الفردية يمكن أن تهدد النظام المصرفى إذا لم يتم التعامل معها. وأشار إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً وما زلنا ملتزمين بخفضه إلى 2%،
وإجراءات خفض التضخم ستستغرق وقتاً طويلا. وكشف باول، أن توقعات البنك الفيدرالى الأساسية لا تشير إلى خفض الفائدة هذا العام مضيفاً:
سنرفع أسعار الفائدة بمعدل أكبر إذا احتجنا لذلك. ويرى رئيس الفيدرالى الاستحواذ على كريدى سويس كان نتيجة إيجابية على ما يبدو.
وقالت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية فى 21 مارس أن الحكومة تعتزم حشد مزيد من الدعم للقطاع المصرفى الأمريكى
المضطرب إذا دعت الحاجة. وأضافت يلين أن الخطوات التى اتخذتها الحكومة لحماية أصحاب الودائع فى مصرفى سيليكون فالى بنك (إس.فى.بي)
وسيجنتشر بنك اللذين انهارا فى وقت سابق من الشهر الحالى، لم تركز على مساعدة بنوك فاشلة محددة، لكنها كانت ضرورية لحماية القطاع المصرفى الأمريكى على نطاق أوسع.
وعن المستقبل، قالت يلين فى تصريحات أمام مجموعة من المصرفيين خلال المنتدى السنوى لرابطة المصرفيين الأمريكيين فى واشنطن أمس:
ويمكن اتخاذ خطوات مماثلة إذا عانت مؤسسات أصغر سحب الودائع بما يمثل خطراً عليها.
وأشارت إلى أن تحركات إدارة الرئيس جو بايدن قللت مخاطر انهيار مزيد من البنوك فى الولايات المتحدة.
وأدت تصريحات يلين إلى ارتفاع حاد وصل إلى 40 فى المائة سعر سهم مصرف فرست ريبابليك بنك الموجود فى سان فرانسيسكو، والذى يرى المتابعون أنه يواجه خطر الانهيار.
وجاء ارتفاع السهم بعد تراجعه 47٪، أمس.
أسباب الانهيار
أكد المستشار المالى لرئيس الوزراء العراقى مظهر محمد صالح، أن سبب انهيار سيليكون يرجع إلى انخفاض قيمة الديون
التى كانت فى شكل أوراق مالية مع ارتفاع الفائدة مما كبده خسائر
حيث أخذ يدفع فوائد عالية على الودائع القصيرة الأجل بسبب السياسة النقدية المتشددة للبنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى
التى قاربت اليوم 5 بالمائة فى حين أن محفظة المصرف معظمها من حوالات وسندات الخزينة الأمريكية
وهى بمدد بين سنة واحدة إلى 30 سنة وهو ما دفع البنك إلى بيع جزء من الأوراق المالية بخسائر لتوفير السيولة لمواجهة قيام الشركات والجمهور بسحب ودائعهم (ذعر مصرفى تقليدي)
وكشف اتحاد المصارف العربية عن عدد من الأسباب الرئيسية وراء الأزمة المالية التى يتعرض لها البنك الأمريكى سيليكون فالى (SVB)
صاحب الأصول الضخمة بـ 209 مليارات دولار، بعد ما أعلنت السلطات الأمريكية إغلاقه يوم الجمعة الماضية 10 مارس 2023
بسبب أزمة سيولة متسبباً بصدمة كبيرة على مستوى المؤسسات المالية العالمية والمستثمرين.
وقال اتحاد المصارف العربية، فى ورقة بحثية صادرة عن الأمانة العامة فى إدارة الأبحاث والدراسات بالاتحاد،
ان القرارات الاستراتيجية الخاطئة التى ارتكبت فى الشهور الماضية كانت وراء إفلاس بنك سيليكون فالى الذى يأتى ضمن أكبر 16 بنكاً فى أمريكا ومن القرارات الخاطئة.
طرح البنك يوم الأربعاء الماضى 8 مارس أسهم إضافية فى السوق ليجنى 2.5 مليار دولار كى
يعزز قاعدته المالية وتحسن البيانات المالية له، لكن هذا الطرح صدم الشارع المالى فى وول ستريت فى نيويورك
لأن هذا الطرح يدل أن هناك مشكلة سيولة، ولذلك تهافتت البنوك والمستثمرون والعملاء على بيع أسهمهم فى بعض البنوك الأمريكية.
ولهذا تم إغلاق هذا البنك وتم إيقاف التداول فى مؤشر ناسدك فى وول ستريت وخسرت بعض البنوك حوالى 52 مليار دولار.
ومن القرارات الخاطئة التى هزت السوق هى أن هذا البنك حاول بيع 21 مليار دولار
قيمة سندات طويلة الأمد بخصم كبير ليجنى بعض المال لكنه خسر فى هذه العملية 1.8 مليار دولار.
وقام البنك بربط 91 مليار دولار من أموال المودعين فى أدوات مالية غير مضمونة وغير آمنة
مثل رهانات قروض الإسكان والعقار، وكذلك السندات طويلة الأمد، وفى هذه العملية خسر 15 مليار دولار.
وأسعار الفائدة المرتفعة، وقلق الأسواق من الأسباب الجيوسياسية من ضمن أحد أسباب انهيار البنك،
فهناك الكثير شبهوها بأزمة 2008 لكن بحسب خبراء سيتم احتواؤها وربما يحدث ذلك سريعاً.
وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية مع ترسخ التضخم وانخفاض أسعار السندات، ترك بنك سيليكون فالى مكشوفاً بشكل فريد،
وخفض العملاء ودائعهم من 189 مليار دولار فى نهاية عام 2021 إلى 173 ملياراً فى نهاية عام 2022.
ومن الأسباب التى سرعت من انهيار البنك، تضاعف ودائعه أكثر من 4 مرات خلال 4 سنوات (من 44 مليار دولار فى 2017 إلى 189 ملياراً فى نهاية 2021)،
فيما نمت قروضه التى يقدمها للشركات الناشئة من 23 مليار دولار إلى 66 ملياراً
نظراً لأن البنوك تجنى الأرباح من الفارق بين سعر الفائدة الذى تدفعه على الودائع والسعر الذى يدفعه المقترضون.
وهناك تكاتف دولى بين أوروبا والولايات المتحدة من أجل مواجهة المزيد من انهيار البنوك والحفاظ على سلامة البنوك،
وثقة المودعين فى القطاع المصرفى فهل تنجح فيما تسعى إليه أم نشهد مزيداً من الانهيار؟
المصدر: جريدة الوفد تحليل يكتبه الدكتور محمد عادل