هل ستزيد التعريفة الجمركية التوترات الاقتصادية؟
![هل ستزيد التعريفة الجمركية التوترات الاقتصادية؟](https://i0.wp.com/banksmorning.com/wp-content/uploads/2025/02/snapedit_1738578949472.png?resize=780%2C470&ssl=1)
هل ستزيد التعريفة الجمركية التوترات الاقتصادية؟
مع إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن بدء تنفيذ سياسة جديدة للتعريفات الجمركية المتبادلة
التي تهدف إلى فرض رسوم على الدول التي تفرض ضرائب أو تعريفات على السلع الأمريكية
برزت مخاوف من تصاعد النزاعات التجارية على نطاق واسع، مما قد يؤدي إلى تبادل فرض التعريفات الجمركية بين الولايات المتحدة ودول أخرى
وبالتالي زيادة تكلفة السلع على المستهلكين وتهديد الاستقرار الاقتصادي العالمي.
وتأتي هذه الخطوة في إطار مبدأ “المعاملة بالمثل”، حيث أكدت إدارة ترامب في بيان أن هذه السياسة الجديدة
تهدف إلى ضمان العدالة التجارية وإعادة التوازن إلى العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين.
وأوضح الرئيس ترامب أن الدول التي تعتمد على نظام ضريبة القيمة المضافة (VAT) ستعتبر كأنها تفرض تعريفات جمركية
ما سيؤدي إلى فرض رسوم مماثلة على صادراتها إلى الولايات المتحدة.
حظر الممارسات التجارية
كما أشار الرئيس الأمريكي إلى أن الإجراءات ستشمل حظر الممارسات التجارية التي تلحق ضررا غير عادل بالاقتصاد الأمريكي
بالإضافة إلى فرض رسوم تعويضية على الدول التي تقدم دعما حكوميا لصادراتها
مما يؤثر سلبا على المنتجات الأمريكية في الأسواق العالمية.
ويترقب الخبراء تداعيات هذه الخطوة على التجارة العالمية، في وقت يتوقع أن تسهم في تصعيد النزاعات التجارية وتغيير ملامح النظام التجاري الدولي.
فيما حذر البعض الآخر من أن السياسة الأمريكية الجديدة للتعريفات الجمركية المتبادلة قد تمثل ضربة قاسية
لبعض الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل وتايلاند التي تفرض رسوما جمركية أعلى لحماية اقتصادها.
التجارة العالمية
وفي هذا السياق، قال جيريمي بيج، الشريك المؤسس لشركة بيج بورا للاستشارات القانونية في التجارة الدولية بالولايات المتحدة
في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/:
“هذه السياسة قد تحدث اضطرابات كبيرة في التجارة العالمية، حيث من المحتمل
أن تؤدي إلى ردود فعل مضادة من قبل الدول المتأثرة، مما قد يسهم في تصاعد النزاعات التجارية على نطاق واسع”.
وأضاف بيج أن “التوجه الجديد في السياسة التجارية الأمريكية قد يدفع العديد من الدول
إلى إعادة تقييم علاقاتها الاقتصادية مع واشنطن، مما قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في النظام التجاري العالمي”.
ويرى أنه بالرغم من أن مبدأ “المعاملة بالمثل” يهدف إلى تحقيق التوازن التجاري وحماية الصناعة المحلية
بالإضافة إلى كونه أداة تفاوضية للضغط على الدول الأخرى لتخفيض القيود والتعريفات الجمركية
إلا أن هذا المبدأ يواجه ثلاثة تحديات رئيسية، أولها، تصاعد التوترات التجارية
إذ أن تطبيق هذا المبدأ قد يؤدي إلى حروب تجارية إذا قامت الدول الأخرى بفرض تعريفات أعلى أو مماثلة، كما فعلت كندا مؤخرا.
أما التحدي الثاني، فهو أن هذه التعريفات الجمركية قد تسهم في ارتفاع أسعار السلع المستوردة
مما يؤثر على المستهلكين والشركات المستوردة على حد سواء، أما التحدي الثالث، فيتمثل في تعقيد العلاقات الدولية
إذ أن هذا النهج قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تدهور العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين.
الإخفاق في جذب الشركات الأجنبية
من جانبه يقول شوقي مهدي الكاتب والمحلل الاقتصادي المقيم في كندا، إن هذه الخطوة
التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي لا تعتبر تغييرا جذريا في النهج الاقتصادي لإدارة ترامب
فقد سبق أن اتخذ قرارات مماثلة خلال فترة رئاسته الأولى، مثل فرض تعريفات جمركية على الصين في عام 2018
مما أدى إلى ارتفاع تكاليف السلع المستوردة من الصين إلى الولايات المتحدة.
وأضاف مهدي، أن هذه السياسة الجديدة قد تزيد من تكاليف الإنتاج للشركات الأمريكية التي تعتمد على المواد المستوردة
مما قد يرفع الأسعار النهائية للمستهلكين ويؤثر على معدلات التضخم.
وتوقع أن تؤدي السياسات الحالية إلى الإخفاق في جذب الشركات الأجنبية لفتح خطوط إنتاج في الولايات المتحدة في الوقت الراهن
نظرا للمخاطر الجيوسياسية التي تحيط بسياسة الإدارة الحالية في البيت الأبيض
مشيرا كذلك إلى أن الشركات ستراقب التحولات الاقتصادية العالمية للسياسة الأمريكية قبل اتخاذ قراراتها الاستثمارية طويلة المدى.
وفي السياق ذاته، أصدرت الإدارة الأمريكية تعليمات إلى وزارات الخارجية والتجارة والخزانة
ومكتب الممثل التجاري الأمريكي لإعداد توصيات بشأن تنفيذ هذه السياسة، والتي قد تدخل حيز التنفيذ بحلول شهر أبريل المقبل.
ويتوقع أن تشمل هذه الإجراءات مراجعة دقيقة لجميع الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة
بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الهند، والبرازيل، بهدف تحديد الفروقات في التعريفات الجمركية وغيرها من العوائق التجارية
ومن ثم فرض تعريفات متبادلة بناء على نتائج هذه المراجعة.
الدولة الأكثر تفضيلا
ويرى خبراء التجارة أن هذه الخطوة قد تمثل تحولا جذريا في نهج الولايات المتحدة تجاه التجارة العالمية
إذ قد تتخلى واشنطن عن مبدأ “الدولة الأكثر تفضيلا” الذي تنتهجه منظمة التجارة العالمية
والذي ينص على معاملة جميع الدول الأعضاء بنفس التعريفات الجمركية.
وتشير التوقعات إلى أن الولايات المتحدة قد تتجه إلى مفاوضات ثنائية لفرض تعريفات مصممة خصيصا لكل دولة على حدة
مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي الذي ساد منذ تأسيس الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT).
وتعتبر أوروبا من أكثر المتضررين المحتملين من هذه السياسة، حيث تفرض بعض الدول الأوروبية تعريفات جمركية أعلى على الواردات الأمريكية مقارنة بما تفرضه الولايات المتحدة على الواردات الأوروبية.
وقد أشار محللون إلى أن هذا القرار يأتي في إطار تحول أوسع في السياسة الأمريكية تجاه أوروبا
يشمل تقليص الالتزامات تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإعادة تقييم العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي.
كما يتوقع أن يكون للهند دور بارز في المرحلة الأولى من تنفيذ هذه السياسة، حيث تعد واحدة من الدول
التي تفرض تعريفات جمركية مرتفعة على المنتجات الأمريكية، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى تسليط الضوء على هذه الممارسات.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة لقاءات بين المسؤولين الأمريكيين ونظرائهم الهنود
لمناقشة سبل تجنب فرض تعريفات جديدة على السلع الهندية المصدرة إلى الولايات المتحدة.
الاقتصاد الامريكي
وفيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي، يرى اقتصاديون أن فرض هذه التعريفات قد يؤدي إلى زيادة أسعار السلع المستوردة
مما قد يفاقم من مشكلة التضخم التي بدأت في الارتفاع مجددا. ومع ذلك، ترى الإدارة الأمريكية
أن هذه السياسة ستدفع الشركات الأجنبية إلى نقل عملياتها إلى الولايات المتحدة لتجنب التعريفات
مما سيساهم في خلق المزيد من فرص العمل وتعزيز الاقتصاد المحلي.
وفي الأسواق المالية، شهدت مؤشرات الأسهم الأمريكية تقلبات ملحوظة عقب الإعلان عن هذه الإجراءات
حيث سجل مؤشر داو جونز الصناعي ارتفاعًا بواقع 343 نقطة، في حين ارتفع مؤشر ناسداك بنسبة 1.5%
مما يعكس تفاؤل المستثمرين بأن هذه السياسة قد تُستخدم كأداة تفاوضية أكثر من كونها خطوة فورية نحو حرب تجارية شاملة.
ومع اقتراب موعد تنفيذ هذه التعريفات، يترقب المستثمرون والمحللون الخطوات القادمة التي ستتخذها الإدارة الأمريكية
وسط توقعات بأن تؤدي هذه الإجراءات إلى تصعيد في التوترات التجارية مع عدد من الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة
مما قد يكون له انعكاسات واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي