قطاع غزة.. خسائر اقتصادية فادحة في 2023
قطاع غزة.. خسائر اقتصادية فادحة في 2023
بعد حالة من الاستقرار في الأشهر التسعة الأولى من العام، جاء الربع الأخير من 2023 عاصفاً
بالنسبة للوضع الاقتصاد في فلسطين، لا سيما في قطاع غزة، حيث اندلاع الحرب في التاسع من شهر أكتوبر، وتواصل القصف الذي أدى
لدمار واسع هناك ضرب مختلف القطاعات الأساسية، وأوجد أزمة إنسانية واسعة في القطاع.
يتفاقم حجم الخسائر يوماً تلو الآخر، في وقت تدق فيه تقارير عديد من المنظمات الإقليمية والدولية ناقوس الخطر بشأن تصاعد كلفة الخسائر
إلى نحو غير مسبوق مع استمرار الحرب لفترات مقبلة أو توسعها وتمددها على نحو يشكل مخاطر أوسع على إقليم الشرق الأوسط عموماً.
تتوزع الخسائر الاقتصادية بالقطاع الذي تعرضت عديد من مفاصل البنية التحتية فيه إلى دمار شبه كامل، ما بين الخسائر المباشر الممثلة
في حجم الدمار الذي لحق بالبنى التحتية في غزة، والخسائر غير المباشرة المرتبطة بذلك الدمار الهائل، مع تصاعد معدلات البطالة
والفقر وشح السلع في ظل الحصار المفروض على غزة عملياً.
طبقاً لتقديرات مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل ثوابتة، فإن حجم الخسائر الاقتصادية الأولية للإعمار
في غزة بسبب الحرب تصل إلى 11 مليار دولار (خسائر مباشرة، بخلاف 12 ملياراً خسائر غير مباشرة)، وبما يشمل تدمير أكثر
من 305 ألف وحدة سكنية منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023. من بين الوحدات المدمرة 52 ألف وحدة (تدمير كامل)، و253 ألف وحدة (تدمير جزئي).
وتصل حجم الخسائر في المنازل إلى ما قيمته 7.4 مليارات دولار. وتشير تقديرات إلى خسائر قطاعية مختلفة، ما بين 650 مليون دولار خسائر بالقطاع التجاري
و450 مليون دولار خسائر في القطاع الصناعي، و420 مليون دولار القطاع الزراعي، بحسب الثوابتة.
أما فيما يتعلق بالخدمات، فتصل خسائر القطاع الصحي إلى 230 مليون دولار، والتعليم 720 مليون دولار، والكهرباء 120 مليون دولار، والترفيه 400 مليون دولار. بينما الاتصالات والإنترنت 600 مليون دولار، والنقل والمواصلات 480 مليون دولار.
فيما تشير تقديرات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إلى أن الخسائر من المرجح أن تصل إلى نحو 20 مليار دولار.
من جانبه، يقول مستشار البنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إنه لا توجد إحصاءات دقيقة
لحجم الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة التي تعرض إليها قطاع غزة، لا سيما أن الخسائر تتراكم يومياً، وهناك تحديات يومية
بخسائر جديدة جراء تصاعد القصف وأعمال العنف الذي يتعرض لها القطاع منذ السابع من شهر أكتوبر من العام الجاري.
ويشير عنبر إلى توقف الحياة في القطاع مع انقطاع الخدمات الأساسية وحجم الانهيار الواسع الذي تعرضت له البنية التحتية، بما في ذلك المساكن
والمستشفيات والمدارس وغير ذلك، وبما يعكس اتساع حجم الخسائر والأضرار إلى نطاق واسع جداً، وبما يضرب مختلف القطاعات الاقتصادية
في غزة التي تعرضت للتدمير وهروب الاستثمارات الداخلية.
ويضيف: “يأتي ذلك في وقت تعاني فيه اقتصادات العالم في الأساس من أزمات اقتصادية مع تفاقم الضغوط التضخمية، وفي ظل حالة عدم اليقين المسيطرة
على تلك الاقتصادات، وبالتالي فإن الأزمة مضاعفة”، مشيراً إلى امتداد التأثيرات والخسائر الاقتصادية إلى خارج غزة، بما في ذلك الآثار السلبية
على سلاسل التوريد على سبيل المثال (بالإشارة إلى أثر التوترات في البحر الأحمر على سبيل المثال).
وفي وقت سابق، قدَّرمدير الاحصاءات في الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين، محمد قلالوة
حجم خسائر القطاع الخاص بحوالي 700 مليون دولار، خلال الشهر الأول من الحرب فقط، واستعرض في حديث له مع إذاعة صوت فلسطين، عدداً من الإحصاءات في هذا السياق:
147 ألف عامل توقفوا عن العمل في القطاع الخاص.
توقف 56 ألف منشأة عن العمل.
من المتوقع ارتفاع نسبة الفقر في قطاع غزة الى حوالي 90 بالمئة.
يُتوقع أيضاً ارتفاع البطالة لحوالي 65 بالمئة.
نسبة التضخم بلغت حوالي 12 بالمئة على السلع والخدمات.
وقال قلالوة إن الخسائر الاقتصادية في قطاع غزة منذ عام 2007 بلغت حوالي 35 مليار دولار دون احتساب آثار الحرب الحالية.
وفيما يتعلق بـ “إعادة إعمار قطاع غزة” وكلفة معالجة الخسائر الاقتصادية الواسعة التي تعرضت لها مختلف القطاعات
يعتقد مستشار البنك الدولي، بأن ذلك يرتبط بداية بوقف الأعمال العدائية والتوصل لتهدئة، مع أهمية وجود ضمانات حاسمة -غير متوفرة
ومن الصعب الحديث عنها في المرحلة المقبلة- من شأن تلك الضمانات أن تتيح الحديث عن إعادة الإعمار وتمويل تلك العملية، لا سيما
وأنه بدون ضمانات دولية مؤكدة فإن هناك مخاوف لدى الممولين، الذين لا يريدون المغامرة بأموالهم واستثماراتهم في هكذا مخاطرة.
ويستطرد: “فكرة إعادة الإعمار هي عملية محفوفة بالمخاطر”.
ويتابع عنبر: “القطاعات كافة في غزة تحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة بعدما تم تدمير البنية التحتية.. ومن المهم بعد التوصل لاستقرار سياسي
وأمني في مرحلة لاحقة مع شرط توافر الضمانات ومصادر المويل، أن يتم بعد ذلك تحديد الأولويات
والتي يتعين أن تكون لصالح التعليم والصحة كرافد أساسي وعامل من العوامل الرئيسية المؤثرة في كفاءة الإنتاج”.
وبحسب معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، فإن متطلبات الاستجابة الطارئة للأوضاع الصعبة
في غزة حتى نهاية العام 2024، ووفق تقديرات الأمم المتحدة، سوف تصل إلى 7 مليار دولار.
وإلى ذلك، تشير مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، الدكتورة هدى الملاح، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”
إلى أن التقديرات المتداولة المرتبطة بتقييم الخسائر في قطاع غزة ربما لا تعكس سوى جانباً من حجم الخسائر، في وقت تؤكد فيه المشاهد المتواترة
في القطاع إلى أن الكلفة الاقتصادية ربما تفوق تلك التقديرات، مشيرة إلى الصعوبات التي تواجهها المراصد
أو الجهات المعنية برصد حجم الخسائر الاقتصادية، في ظل القصف والدمار الذي تتعرض لها المؤسسات كافة داخل غزة.
وتشير إلى أنه مع تواصل القصف فإن حجم الخسائر في المنازل صار يفوق نسبة الـ 60 بالمئة
التي تشير إليها التقديرات الرسمية داخل القطاع
مشيرة في الوقت نفسه إلى الآثار الاقتصادية غير المباشرة بما في ذلك الآثار الناجمة عن النزوح
والتهجير، كذلك الضغوطات المرتبطة بعدم
وصول المساعدات الكافية لغزة، واقتصارها على المواد الغذائية والطبية.
وتشدد على أن تقييم الخسائر بشكل دقيق يمكن أن يتم بعد انتهاء الحرب، موضحة
أن عمليات إعادة الإعمار والبرامج والسياسات المتبعة
من أجل معالجة حجم الدمار الهائل الذي تعرضت له غزة تتوقف بداية
على أهمية حسم الوضع الأمني والسياسي في غزة، والوصول
إلى مفاوضات من شأنها إنهاء حالة الحرب الحالية، وبما يسمح بمعالجة آثارها واسعة التكلفة.