مسارات الفائدة علامة على تراجع نفوذ أمريكا
مسارات الفائدة علامة على تراجع نفوذ أمريكا
اعتبرت وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية أن التباين في مسارات أسعار الفائدة، وعدم سير البنوك المركزية العالمية على خطى بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي في الولايات المتحدة)، يشكل علامة على تراجع نفوذ الولايات المتحدة العالمي.
وأضافت الوكالة في تقرير لها أن البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا (البنك المركزي في المملكة المتحدة) قاما بخفض أسعار الفائدة قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي
كما فعلت العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة.
أما بنك اليابان، فهو لا يخفض أسعار الفائدة، بل يرفعها.
عصر العولمة
وذكرت “بلومبيرغ” في مقارنة بين ما هو عليه الوضع الآن وتسعينيات القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أو ما أطلقت عليه عصر العولمة المتسارعة،
وزمن الأحادية القطبية للثقل الاقتصادي وقوة الولايات المتحدة الجيوسياسية، حينها كانت أسواق البورصة العالمية تسير على إيقاع الأسواق المالية في الولايات المتحدة
وتتحرك البنوك المركزية العالمية متماشية مع الاحتياطي الفيدرالي، أو تواجه العواقب المترتبة على تدفق الأموال الساخنة أو هروبها، مما يعرض العملات واستقرار الأسعار للخطر.
الأموال الساخنة
ويعرف المختصون الأموال الساخنة بأنها جميع التدفقات المالية التي تدخل الدول أو تخرج منها، بهدف الاستثمار والاستفادة من وضع اقتصادي خاص فيها، مثل ارتفاع معدلات الفائدة أو تدني سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي.
واعتبرت “بلومبيرغ” أنه عند تأمل الوضع اليوم، نجد أن الاقتصادات الكبرى أصبحت في أوضاع مختلفة للغاية، ففي الولايات المتحدة، كانت المشكلة خلال العامين الماضيين تتلخص في التضخم بعد الجائحة.
وعانت أوروبا من نفس الشيء، وفاقمت المعاناة الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى قطع إمدادات الغاز الروسي الرخيص.
وفي اليابان، يشكل ارتفاع معدلات التضخم خبرا طيبا، وهو إشارة إلى أن اقتصادها الهزيل ربما يسير في طريق التعافي.
أما في الصين، فإن المشكلة لا تكمن في أن الأسعار مرتفعة جدا، بل في انخفاض الأسعار أكثر مما ينبغي.
البنوك المركزية
وأشارت إلى أنه نتيجة لهذا، تتحرك العديد من البنوك المركزية بوتيرة مختلفة، أو حتى في اتجاهات مختلفة، إلا أنها نوهت بأنه عندما تتباعد مسارات البنوك المركزية، تحدث أشياء غريبة.
ولفتت إلى أن التاريخ الحديث للين يرينا أن العملة اليابانية هبطت فجأة في النصف الأول من العام، ثم ارتفعت بقوة خلال الصيف، ثم هبطت مرة أخرى فجأة مع تحرك توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك اليابان على مسارات منفصلة.
وذكرت أن تقلبات العملة لها تداعيات فقد أدى ضعف الين إلى زيادة الأرباح للشركات والصناعات اليابانية وارتفع مؤشر نيكاي. وعندما تعزز الين، سارت هذه العملية في الاتجاه المعاكس، مما أدى إلى هبوط حاد ومفاجئ في الأسهم اليابانية بنسبة 12 بالمئة، في يوم واحد في أغسطس.
هيكل الاقتصاد العالمي
ولتفسير عدم سير البنوك المركزية العالمية على خطى بنك الاحتياطي الفيدرالي، ذهبت ” بلومبيرغ” للقول إن هناك تغيرا في هيكل الاقتصاد العالمي، حيث أصبحت حصة الولايات المتحدة وحلفائها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي أقل.
وأضافت أنه في عام 1990 كانت حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 21 بالمئة، في حين كانت حصة مجموعة الدول السبع 50 بالمئة.
وفي عام 2024، هبطت حصة كل من الدولتين إلى 15 بالمئة و30 بالمئة على التوالي.
كما ذهبت “بلومبيرغ” إلى أن أجزاء مهمة من العالم تبتعد عن النظام الذي صممته الولايات المتحدة، ففي الماضي كانت مجموعة الدول السبع الكبرى هي التي تتخذ القرارات الكبرى. ومع صعود الصين وغيرها من الأسواق الناشئة الكبرى توسع النادي ليشمل مجموعة العشرين.
مجموعة البريكس
وأردفت “بلومبيرغ” أنه من بين مقاييس تراجع نفوذها ظهور مجموعات متنافسة، مثل مجموعة البريكس، التي كانت في الأصل تعتبر فئة استثمارية، تحولت إلى ناد حقيقي، حيث تتناوب البرازيل وروسيا وأعضاء الأسواق الناشئة الأخرى على استضافة القمم.
وذكرت أن الدولار لا يزال هو العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، لكنه لا يتمتع بالمكانة المهيمنة التي كان يتمتع بها ذات يوم، فقد انخفضت حصة الدولار من حيازات البنوك المركزية العالمية من 72 بالمئة في عام 2000 إلى 58 بالمئة في عام 2023، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وتظهر بيانات بنك الشعب الصيني أن الصين تسوي الآن ربع معاملاتها التجارية باليوان، ارتفاعا من الصفر قبل أكثر من عقد بقليل.
وبينت “بلومبيرغ” أنه لا يعد بنك الاحتياطي الفيدرالي المؤسسة الوحيدة في واشنطن التي تواجه تراجع نفوذها العالمي. مشيرة إلى عام 2022 عندما أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن سلسلة من العقوبات التي تهدف إلى شل الاقتصاد الروسي.