مخاطر “الركود التضخمي” على الاقتصاد العالمي

أوضح التقرير الذي حصلت “بوابة بانكيز مورنينج” على نسخة منه أن التضخم ونمو الناتج المحلي الإجمالي هما المحركان الأقوى للنشاط في الاقتصاد الحديث. وعلى الرغم من اختلافهما، إلا أنهما يؤثران على جميع القرارات الرئيسية المتعلقة بأوقات وأماكن الاستهلاك والاستثمار.

الاقتصاد الكلي

وتتطلب بيئة الاقتصاد الكلي المثالية وجود مزيج من ارتفاع النمو وانخفاض التضخم، بمعنى حدوث تزايد في النشاط مصحوب باستقرار في الأسعار. ولكن يصعب تحقيق هذا “الاتزان المثالي” بين النمو والتضخم، وذلك بسبب العلاقة الطردية التاريخية بينهما على المدى الطويل، حيث يؤدي ارتفاع النمو إلى التوظيف والاستغلال الكامل للإمكانات، مما يؤدي بدوره إلى ضغوط على الموارد والأسعار.

خلال العقود العديدة الماضية، من عام 1990 إلى عام 2020، ازدهر الاقتصاد العالمي في ظل بيئة اقتصاد كلي يُشار إليها عادة بفترة “الاعتدال العظيم”، وهي الفترة التي استفادت فيها الاقتصادات المتقدمة من اعتدال النمو وانخفاض التضخم. وكانت هذه الفترة مدفوعة بالعديد من الاتجاهات العامة أو طويلة المدى، بما في ذلك الرقمنة والعولمة والتصنيع في الوقت المناسب، واستقلالية البنوك المركزية.

بينما أدت الرقمنة إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية عبر مختلف البلدان، فتحت العولمة أسواقاً جديدة وسمحت لعدد أكبر من القوة العاملة بالانخراط في الأنشطة المرتبطة بتعزيز القيمة. وإلى حد ما، تزامنت العولمة مع “المكاسب الجيوسياسية” التي تحققت بعد نهاية الحرب الباردة (1947-1989) وانفتاح السوق الصينية الكبيرة.

شبكة عالمية

وتحسن ذلك بفعل التقدم في إدارة سلسلة التوريد والبنية التحتية الخاصة بالنقل، والذي يتطلب شبكة عالمية للتصنيع في الوقت المناسب تعمل بمخزونات منخفضة وبأوقات تسليم قصيرة. وفي هذه الشبكة، يتم تحسين الإنتاجية للاستجابة للطلب المتكرر وتقليل استغلال الوقت والعمالة والمواد. علاوة على ذلك، كانت الاتجاهات الانكماشية مدعومة أيضاً بالإصلاحات المؤسسية وظهور البنوك المركزية المستقلة التي ركزت أنشطتها على الحفاظ على استقرار الأسعار.

وباستثناء الرقمنة، بلغت الاتجاهات الأخرى التي دعمت “الاعتدال العظيم” ذروتها قبيل الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2009 ويبدو أنها تحولت بشكل كبير بعد الصدمتين الكبيرتين في عشرينيات القرن الحالي، وهما جائحة كوفيد-19 والصراع الروسي الأوكراني.

بعد التعافي

فبعد فترة من التعافي القوي عقب الركود الحاد الناتج عن الجائحة في عام 2020، هناك أدلة متزايدة على أن وضع الاقتصاد الكلي العالمي يتجه نحو بيئة أقل اعتدالاً تتسم بانخفاض النمو وارتفاع التضخم. وهذه الظاهرة الاقتصادية تسمى “الركود التضخمي”. في الولايات المتحدة، التي لا تزال المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي، يتسارع التضخم إلى أعلى مستوى له في 40 عاماً، بينما.

وفي الوقت نفسه، تشير المؤشرات عالية التردد إلى تباطؤ حاد في النشاط. في الواقع، يشير تقرير nowcast الخاص ببنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، وهو تقدير مستمر لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مبني على البيانات الاقتصادية المتاحة، إلى وجود ركود في الاقتصاد الأمريكي. ومن المحتمل أن ينتقل هذا الأمر إلى الاقتصادات الأخرى، وهو ما سيؤدي إلى فترة من “الركود التضخمي” في مختلف أنحاء العالم”.

عوامل الركود

و”الركود التضخمي” قد لا يكون مجرد ظاهرة مؤقتة مرتبطة باختناقات العرض الناتجة عن الجائحة والصدمات الجيوسياسية، فهناك تغييران رئيسيان يشيران إلى أن عوامل “الركود” العالمي قد تستمر لفترة أطول تتجاوز الدورة الحالية.

أولاً، تشهد العلاقات السياسية بين القوى العالمية العظمى تدهوراً سريعاً، مما يحوّل “المكاسب الجيوسياسية” السابقة الناتجة عن التكامل العالمي إلى “ركود جيوسياسي” وذلك بسبب زوال التأثير الإيجابي للعولمة.

ومن الأمثلة على ذلك، التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، والعقوبات الأخيرة ضد روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا. وسيساهم ذلك في إزالة التأثير الإيجابي للعولمة وسيقوض التصنيع في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى بروز الأجندة التي تنطوي على الحمائية، وسلاسل توريد “ذات الطابع المحلي”، والأمن الغذائي، وإغلاق الحدود أمام تدفقات الهجرة. علاوة على ذلك، فإنه يجعل الاقتصاد العالمي أكثر عرضة للصدمات السلبية في جانب الإمداد، مثل الاضطراب في أسواق السلع الأساسية الذي أحدثه الصراع الروسي الأوكراني. ومن ثم، فإن “الركود الجيوسياسي” يؤثر سلباً على الإنتاجية وتدفقات التجارة والاستثمار، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج. وهذا يوفر بيئة ملائمة لتراجع النمو وارتفاع الأسعار على المدى الطويل.

الدين العالمي

ثانياً، أدت الجائحة مجدداً إلى زيادة كبيرة في الدين العالمي، والذي بلغ بالفعل أعلى مستوياته على الإطلاق. فمستويات الدين في الاقتصادات الكبرى مرتفعة للغاية، وهذا يجعلها أكثر عرضة للتأثر بدورة كبيرة من رفع أسعار الفائدة. ومن هذا المنطلق، فإن استمرار ارتفاع التضخم لفترة أطول سيؤدي إلى الحد من حجم ووتيرة تطبيع السياسة النقدية لكبح نوبات الارتفاع الحاد في الائتمان والركود المحتمل. بعبارة أخرى، فإن مستويات الديون المرتفعة ترغم البنوك المركزية الكبرى على تقليص تدابيرها المتعلقة بإدارة التضخم لضمان استقرار الائتمان والتوظيف. وعلى الرغم من تلميحات “التشديد” من قبل البنوك المركزية الرئيسية في الأشهر الأخيرة، هناك مجال محدود لاستخدام السياسة النقدية لمحاربة التضخم بشكل أفضل. وبمرور الوقت، فإن ذلك سيساهم في استمرار الضغوط التضخمية.

لمزيد من الأخبار أضغط هنا

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
شريط الأخبار
خطوات الحصول على قرض متوسط الأجل من التجاري وفا بنك توقعات الطقس لليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 أسعار اللحوم البلدي في مصر اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 العريان يحذر: "التضخم لم يمت بعد" أسعار الفراخ اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 تراجع ملحوظ في سعر الجنيه الذهب في مصر العربي الافريقي الدولي يرفع شروط برنامج إيدج تعليمات هامة للحفاظ على أمان معاملات الصراف الآلي اليوم إجازة رسمية في البنوك بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر سعر الدولار اليوم الأحد 6-10-2024 كل ما تحتاج معرفته عن بطاقات الخصم المباشر من بنك البركة خطوات فتح حساب "يوم بيوم" في ميد بنك "البريد المصري" ينفي وجود أي شراكة مع "باي سكاي" للحصول على رخصة بنك رقمي أسعار العملات العربية صباح اليوم الأحد 6-10-2024 أسعار العملات الاجنبية صباح اليوم الاحد 6-10-2024 ما هي خسائر سداد القرض بضمان الشهادة ؟ تفاصيل شهادة نماء من البنك الزراعي سعر فائدة شهادة اميرالد 5 سنوات العربي الافريقي الدولي افتح حساب جارى كلاسيك بعشر عملات مختلفة 270 ألف محفظة "قاهرة كاش" BM VIP خدمة كبار العملاء ببنك مصر ماذا قال رئيس الموارد البشرية بنك مصر ؟ فائدة ودائع البنك الأهلي المصري كل ما تحتاج معرفته عن مرابحة التعليم من بنك مصر استبدل كشف الحساب الورقي بالإلكتروني بسهولة البنك الأهلي المصري يتصدر قائمة أفضل البنوك المصرية في 2024 شروط التمويل العقارى ببنك أبوظبي التجاري شروط الحصول على قرض السيارة من بنك الكويت الوطنى تفاصيل شهادات الادخار الدولارية من بنك قناة السويس أسهم 6 شركات ترتفع بأكثر من 20% في أكتوبر