هل ستقوم الصين بانقاذ الاقتصاد العالمي؟
تحت عنوان “هل ستقوم الصين بإنقاذ الاقتصاد العالمي مجددًا؟ قدم بنك قطر الوطني الأهلي “QNB” تحليلًا اقتصاديًا يرصد حالة الاقتصاد العالمي ودور الصين.
وهذا نص التحليل:
بعد أشهر عدة من الركود، بدأ الطلب العالمي على الصناعات يشير إلى انتعاش محتمل في الأشهر المقبلة.
وسيؤدي هذا على الأرجح إلى تسريع معتدل في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2020، ولكن ستعتمد وتيرة الانتعاش إلى حد كبير على الأداء الاقتصادي للصين.
لقد تعززت الفترات الأخيرة من الانتعاش الصناعي بفضل الدعم الكبير الناتج عن التحفيز النقدي والمالي في الصين.
وفي الواقع، وعلى مدى العقد الماضي، أنتجت نوبات من تيسير السياسات النقدية والمالية في الصين “انتعاشات” امتدت إلى أسعار السلع الأساسية والأسواق الناشئة وغيرها من الاقتصادات المفتوحة، ودعمت دورات النمو العالمي المتزامنة المصغرة. وبالنظر إلى ما سبق، يتساءل صناع السياسة والمستثمرون عما إذا كانت الفترة 2020-2021 ستتكرر فيها طفرة صغيرة أخرى تصنعها الصناعة/الصين.
بينما نعتقد بأنه سيحدث تعافي في النمو العالمي في 2020، فإن من المتوقع بأن يكون هذا التعافي أكثر اعتدالاً من ذلك الذي شهدته الفترة 2016-2017. ويعود ذلك بالأساس إلى خصوصية الوضع في الصين. فرغم العلامات الإيجابية بشأن استقرار النمو في الصين، إلا أن سيناريو التعافي القوي سيكون على الأرجح مقيداً بتواضع دورة التحفيز المالي والنقدي. في نظرنا، هناك ثلاثة عوامل رئيسية تعمل على الحد من قدرة بيجين في الاستجابة للتباطؤ الأخير من خلال السياسات النقدية والمالية.
أولًا، بعد جولات من التحفيز الاقتصادي القائم على الديون، ترغب السلطات الصينية في تجنب حدوث مرحلة كبرى أخرى من تراكم الديون. وبعبارة أخرى، فإن الحكومة لا ترغب في أن يتسبب التحفيز قصير المدى في تقويض الاستقرار المالي على المدى الطويل. وقد ظلت السلطات الاقتصادية تحاول كبح فائض النمو في الائتمان وخفض مستوى الديون عبر فصل النمو عن أنشطة الائتمان الكثيفة. لذاك، لا يزال يجري العمل بالضوابط الرقابية الهادفة للحد من الإقراض خارج الميزانية العمومية أو الإقراض من بنوك الظل. ومن البديهي أن يضع مثل هذا الالتزام سقفاً لأي إجراءات محتملة ضمن سياسات التحفيز. ولن تقوم الحكومة بتغيير هذا المسار بشكل جذري إلا في حال تحول التباطؤ إلى تهديد بحدوث “تراجع حاد”، أي حالة من الركود الجامح. ومع ظهور علامات عن تعافي معتدل للاقتصاد وتراجع حدة الخلافات التجارية، فليس هناك من حاجة ملحة لإطلاق “سلاح” التحفيز في هذه المرحلة.
ثانيًا، إن استمرار حالة عدم اليقين وتأرجح تطورات النزاعات التجارية مع الولايات المتحدة يولدان الحذر في بكين. وترغب الحكومة الصينية في التصرف بحكمة والإبقاء على خيار اللجوء للسياسة أو التحفيز في حال أخذت المفاوضات التجارية مسلكًا سلبيًا أو حدثت صدمات خارجية.
ثالثًا، تحد التأثيرات المتداخلة في الأسعار أيضاً من إمكانية إجراء تخفيف إضافي للسياسة النقدية. وفي حين أدى ضعف النمو إلى ضغوط انكماشية في أسعار المنتجين، إلا أن صدمات العرض الخارجية، مثل إنفلونزا الخنازير الإفريقية، قد تسببت في ارتفاع التضخم الكلي في مؤشر أسعار المستهلك إلى 3.7% على أساس سنوي في أكتوبر. وهذا أعلى بكثير من المعدل المستهدف أو السقف المحدد لهذا العام والذي يبلغ 3%. وارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 16% على أساس سنوي، مدفوعةً بالزيادة الكبيرة في أسعار اللحوم والدواجن والمنتجات ذات الصلة. ومن المتوقع أن تستمر العوامل المعاكسة المرتبطة بإمدادات الغذاء، مما يضع ضغوطًا إضافيةً على تضخم أسعار المستهلك. ونظرًا للتأثيرات السلبية المحتملة لارتفاع التضخم الكلي في مؤشر أسعار المستهلك على توقعات التضخم، فإن بنك الشعب الصيني سيمضي قدماً في تقديم حوافز لكن بشكل حذر.
وبشكل عام، من المتوقع أن تواصل السلطات الصينية تخفيف السياستين النقدية والمالية ودعم النمو. ولكن من المرجح أن تكون تدابير السياسة محدودة أكثر مما كانت عليه في دورات التخفيف السابقة. لذلك، يُفترض أن يتعافى النمو المرحلي للناتج المحلي الإجمالي تدريجيًا فقط من النسب المتدنية التي تراوحت بين 5.35% و5.4% في الربعين الثالث والرابع من عام 2019. وخلال كامل عام 2020، من المتوقع أن تحقق السلطات الاقتصادية هدفها المتمثل في تحقيق نمو بنحو 6%.