لبنان – الحكومة الجديدة “كرة نار” أم “بارقة أمل” لإنقاذ البلاد

 أخيرًا شكّل لبنان حكومة جديدة يوم الثلاثاء 21 يناير 2020 بعد حالة من الشلل السياسي لمدة ثلاثة أشهر.

 شكّل جماعة حزب الله الشيعية المدعوم من إيران وحلفائها، بمن فيهم التيار الوطني الحر الذي أسسه عون، وحركة أمل التي ينتمي لها رئيس البرلمان نبيه بري حكومة حسان دياب من دون مشاركة أحزاب سياسية لبنانية رئيسية تتمتع بدعم غربي، واختار التيار الوطني الحر ستة من أصل عشرين وزيرًا، كما ذكرت رويترز.

 يعاني لبنان المُثقل بالديون من غياب حكومة منذ استقال سعد الحريري، الزعيم السني الكبير في لبنان والحليف التقليدي لدول الغرب والخليج العربية، من منصبه كرئيس للوزراء في أكتوبر عقب احتجاجات واسعة النطاق ضد السياسيين الذي قادوا لبنان إلى أسوأ أزماته منذ الحرب في الفترة بين 1975 و1990.

 حكومة بقيادة رئيس الوزراء حسان دياب، لتبدأ مهمة صعبة لإنقاذ لبنان من أزمة مالية حادة، واسترداد ثقة المستثمرين والمانحين الأجانب.

يعاني لبنان من ضغوط مالية هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.

 منها تفاقم الديون عجز في المعاملات الجارية وعجز مالي، ونقص في العملات الأجنبية، وتداول كثير من السندات السيادية الدولية بأقل من نصف قيمتها الاسمية.

الدعم المالي الأجنبي:

 يحتاج لبنان لعشرين إلى 25 مليار دولار للخروج من الأزمة المالية هذا ما أكده وزير الاقتصاد السابق ناصر سعيدي. كما تحتاج إلى دعم من صندوق النقد الدولي.

 قال السياسي اللبناني الكبير آلان عون إن تنفيذ برنامج من صندوق النقد الدولي أحد الخيارات أمام لبنان إذا كانت الشروط محتملة بما لا يثير اضطرابات اجتماعيًا. وقال ”الأولوية الأولى لوضع برنامج إنقاذ لتمويل احتياجات لبنان وبرنامج من صندوق النقد الدولي هو أحد الخيارات”.

وقالت كارلا سليم، الخبيرة الاقتصادية لدى بنك ستاندرد تشارترد، في إشارة إلى أول زيارة رسمية يجري الإعداد لها لحسان دياب إلى دول مجلس التعاون الخليجي ”تصورنا الأساسي هو أن الخطة التمويلية لمجلس الوزراء الجديد ستتضمن على الأرجح تمويلًا خارجيًا ومحاولة لاستعادة الثقة، ”لكن فرص إعادة هيكلة الديون قد تزيد بدرجة كبيرة إذا عجز لبنان عن تدبير تمويل خارجي كافٍ في الستة أشهر المقبلة“.

 ولكن تشكيل الحكومة قد يقف حجز عثرة أمام حصول لبنان على الدعم المالي لإنقاذ لبنان من الأزمة المالية. فالحكومة الجديدة ستقوم بجولة في دول الخليج خلال الفترة المقبلة من أجل الحصول على دفعة إنقاذ، ومواجهة نقص العملة الأجنبية في البلاد.

 ولكن تظل هذه الجولة ومخاطبة صندوق النقد الدولي مرهون بعلاقة الحكومة بحزب الله وقطر، فالولايات المتحدة، الداعم المالي الأكبر للصندوق، قد تعارض أي صفقة بسبب علاقات الحكومة بحزب الله، كما قد تعارض دول الخليج تقديم الدعم بسبب علاقة الحكومة بإيران وقطر.

 حصل لبنان على تعهدات بمساعدات تتجاوز قيمتها 11 مليار دولار في مؤتمر دولي عقد في أبريل عام 2018 بشرط إجراء إصلاحات لم تنفذ حتى الآن.

الليرة اللبنانية:

 الدولار، الذي كان يومًا ما سهل الحصول عليه بمكاتب الصرافة التي لا تهدأ في بيروت، أضحى صعب المنال اليوم. وتدهور وضع ربط العملة بالدولار الأمريكي المعمول به في لبنان منذ 22 عامًا ليقترب من نقطة الانهيار بفعل الأزمة السياسية والمصرفية. فمنذ اندلاع احتجاجات حاشدة في أكتوبر 2019 ضد النخب في البلاد، يرتفع سعر الدولار في هذه السوق الموازية، إذ بلغ 2500 ليرة لبنانية للدولار مقابل سعر الصرف الرسمي البالغ 1507.5 القائم منذ 1997، مما تسبب في زيادة الأسعار.

فقدت الليرة نحو ثلث قيمتها الرسمية بالسوق السوداء في ظل شح الدولار:

 قالت نقابة الصرافين في لبنان بعد وقت قصير من إعلان تشكيل الحكومة إنه جرى الاتفاق مع البنك المركزي على تحديد سعر شراء عند ألفي ليرة لبنانية للدولار بحد أقصى. ولكن رفض تجار العملة بشكل كبير البيع بسعر جديد أقل جرى الاتفاق عليه مع البنك المركزي.

 وقال بعض المتعاملين إن القرار الذي اتُخذ على عجل بفرض سقف سعري يعني تكبدهم خسائر في الدولارات التي اشتروها قبل يوم واحد بسعر أعلى يبلغ 2170 و2180 ليرة.

وثبط وزير المالية الجديد غازي وزني الآمال في إمكان عودة الليرة إلى مستويات ما قبل الأزمة وقال عودة سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار لما كان عليه مستحيلة. وأضاف أن كبح السوق الموازية، حيث يرتفع سعر الدولار عن سعر الصرف الرسمي المربوطة به الليرة، سيكون مرتبطًا بعمل الحكومة. وأضاف وزني أن وقف انهيار الاقتصاد اللبناني ممكن ولكنه يتطلب دعمًا أجنبيًا.

ويتبع لبنان سياسة ربط العملة بالدولار، ويلتزم حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة بربط العملة لعدم انفلات أسعار السلع الأساسية.

البنوك اللبنانية:

 ساهمت البنوك لفترة طويلة في دعم الاقتصاد اللبناني من خلال استقبال ودائع ملايين اللبنانيين في الخارج والشراء في الدين المحلي للحكومة، ولكن في ظل الأزمة الحالية شح في الودائع الأجنبية مع انهيار الثقة في النظام المصرفي. وتراجعت ودائع غير المقيمين في القطاع المصرفي 11.3 في المئة على أساس سنوي في نوفمبر ، بينما يواجه لبنان نقصًا في النقد الأجنبي – مما تسبب في فرض قيود على وصول اللبنانيين في الداخل والخارج لأموالهم بالبنوك. وستحتاج إلى ضخ سيولة أعمق من زيادة رأس المال 20 في المئة على النحو الذي وجهها إليه البنك المركزي.

 ظهر الحديث عن إقالة حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، إلا أن رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب قال إن إعفاء محافظ مصرف لبنان المركزي رياض سلامة من منصبة غير وارد حاليًا.

إعادة هيكلة السندات:

 قفزت السندات المستحقة في مارس من العام الجاري بمقدار سنت إلى 84.02 سنت في الدولار وفقًا لماركت أكسس. وزادت السندات التي تُستحق في 2030 و2037 بمقدار 0.6 سنت لتُتداول عند ما يزيد قليلًا على 42 سنتًا في الدولار.

 طالب كميل أبو سليمان وزير العمل اللبناني السابق بإعادة هيكلة سندات دولية، بما في ذلك إصدار بقيمة 1.2 مليار دولار مستحق في مارس، والحصول على حزمة إنقاذ بمليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي لتفادي انهيار اقتصادي. وقال في مقابلة مع رويترز ”لا أرى منطق النظام الذي يسرب من 500 مليون دولار إلى 600 مليون دولار إلى خارج لبنان مدفوعات في مارس (آذار) في الوقت الذي يكاد يكون من المحتوم فيه إعادة هيكلة فعلية للسندات الدولية… من الأحرى إنفاق تلك الأموال في أشياء أخرى مثل الغذاء والأدوية“..

الديون اللبنانية:

لبنان مثقل بالدين العام اللبناني نحو  150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

 وصف وزير المال اللبناني غازي وزني استحقاقات الديون السيادية القادمة بالعملة الأجنبية بأنها ”كرة نار“.

 يبلغ إجمالي الدين العام في لبنان نحو 89.5 مليار دولار، 38 في المئة منه بالعملة الأجنبية.

 قال كميل أبو سليمان وزير العمل اللبناني السابق ”حجم الديون كبير جدًا بالنسبة لحجم الاقتصاد“، مضيفًا أن أي إعادة هيكلة للديون قد تشمل تمديد أجل الاستحقاق، أو خفض معدل الفائدة، ولكن ليس أصل الديون بالضرورة.

 وأضاف أن اتفاقًا بنحو أربعة إلى خمسة مليارات دولار قد يخفف العجز ويطمئن حائزي السندات ويشجع مانحين دوليين محتملين آخرين، فيما يعطي أيضًا زخمًا للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.

الأولوية للاقتصاد استعادة ثقة:

 قال الرئيس ميشال عون في أول اجتماع للحكومة الجديدة، يوم الأربعاء، إن مهمة الحكومة الرئيسية هي استعادة ثقة المجتمع الدولي، وذلك للتخفيف من أزمة السيولة التي أدت لتدهور الليرة اللبنانية، وزيادة التضخم وفرض قيود على المعاملات المصرفية ونقل مكتب الرئيس عون عنه قوله لمجلس الوزراء ”مهمتكم دقيقة“. وأشار إلى ”ضرورة العمل لمعالجة الأوضاع الاقتصادية واستعادة ثقة المجتمع الدولي بالمؤسسات اللبنانية، والعمل على طمأنة اللبنانيين إلى مستقبلهم“.

 قال رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب إن النهج الاقتصادي والمالي لحكومته سيكون مختلفًا كليًا عن الحكومات السابقة.

 تتوقع جمعية المصارف اللبنانية أن تضع الحكومة المشكلة حديثًا برنامجًا اقتصاديًا وماليًا وأن تمضي قدمًا في إصلاحات من دون تأخير. متوقعه أن يسهم تشكيل الحكومة في استعادة الثقة والاستقرار لاقتصاد البلاد وأمنها وإنها مستعدة للمساهمة في النهوض بلبنان من أزمته.

 ويبقي السؤال هل ستكون الحكومة الجديدة بتشكيلها الجديد “كرة نار” أم “بارقة أمل” لإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية والمالية؟