كواليس ما قبل انهيار بنك سيليكون

كواليس ما قبل انهيار بنك سيليكون

كان يوما داميا بشكل خاص لشركات التكنولوجيا، عندما ظهر جريج بيكر، الرئيس التنفيذي لبنك وادي السيليكون آنذاك، على قناة “سي إن بي سي” في أواخر آب (أغسطس)

حيث انخفض مؤشر ناسداك لأسهم شركات التكنولوجيا 2 في المائة خلال تلك الجلسة وحدها.

لكن بيكر كان مطمئنا في حضوره كالمعتاد. حيث رأى أن تصحيح السوق سيكون في النهاية صحيا للقطاع.

وفي الوقت نفسه، كانت الميزانية العمومية للبنك أقوى من أي وقت مضى وكان لها سجل تحسد عليه.

“كما تعلمون، نحن نقوم بهذا منذ أكثر من 30 عاما، لذلك مررنا بعديد من الدورات، وأعتقد أننا نشعر بالرضا حقا بشأن عمليتنا”.

لمزيد من الأخبار حول افلاس البنوك أضعط هنا..

ظهر بيكر الجمعة الماضي في مقطع فيديو مختلف تماما، لكن هذه المرة، كان يناشد الموظفين من أجل البقاء لفترة أطول قليلا

وذلك لأن البنك المهيمن في صناعة التكنولوجيا كان ينهار. سألهم “هل يمكنكم أن تبقوا يا رفاق

وأن تحاولوا دعم بعضكم بعضا، وأن تحاولوا دعم عملائنا، وأن تعملوا معا، الأمر الذي قد يجلب نتيجة أفضل قليلا مما نحن فيه الآن؟”

لكن بحلول ذلك الوقت، تم إقصاء بيكر من قبل المنظمين الفيدراليين.

صناعة التكنولوجيا المعاصرة

لم يستطع أي بنك أن يحقق صعودا استثنائيا في صناعة التكنولوجيا المعاصرة مثل:

بنك وادي السيليكون، فبعد تأسيسه كمقرض إقليمي في كاليفورنيا في 1983،

أصبح مركز قوة، وبحلول 2019 كان يفتخر بتقديمه خدمات مصرفية لنصف شركات التكنولوجيا وعلوم الحياة المدعومة كلها من رؤوس المال المغامرة في الولايات المتحدة.

يمكن القول إنه ليس هناك مصرفي يجسد تلك الحقبة مثل بيكر، الذي، ساعدته حياته المهنية الممتدة لثلاثة عقود في بنك وادي السيلكون،

على الارتقاء به من كونه بنكا صغيرا للإقراض ليصبح أحد أعمدة وادي السيليكون واقتصاد التكنولوجيا.

يتساءل بعض الأشخاص الذين يعرفون قيادة بيكر وبنك وادي السيلكون عما حدث خلف الكواليس قبل انهيار البنك. كما تريد وزارة العدل الأمريكية إجابات

وقد فتحت تحقيقا في عملية الانهيار.

في النهاية، سقطت المؤسسة التي كانت تفتخر بكونها المقرض الأرفع مستوى لعالم التكنولوجيا، وذلك بسبب مسألة شائعة نسبيا

 هي ضعف محفظتها من السندات أمام ارتفاع أسعار الفائدة. لم يستجب بيكر لطلبات الإدلاء بتعليق.

لمشاهدة فيديوهات عن الحروب والأزمات أضغط هنا..

يميل الأشخاص الذين يعرفون بيكر إلى وصفه بأنه شخص نزيه وقوي وطموح للغاية، وهو رجل أفعال أكثر من كونه صاحب رؤية.

يتمتع هاوي ركوب الدراجة الهوائية بقوام بدني نحيف ومتناسق يشبه أجساد الرياضيين، كان معروفا بأنه يكتفي ببضع ساعات نوم في الليل.

وخلال ارتقائه المراتب في بنك وادي السيليكون، كان يعتمد على مدرب تنفيذي لتحسين مستوى التعاطف عنده.

قوة ونقطة ضعف

قال أحد المديرين التنفيذيين السابقين في بنك وادي السيليكون

“إنه صانع قرار سريع للغاية وحاسم،

ويمكن أن يكون ذلك قوة ونقطة ضعف”، حيث تساءل عما إذا كان هناك فريق قوي حول بيكر بما يكفي لتحديه، خاصة فيما يتعلق بإدارة البنك محفظة سنداته.

كما أشار الشخص نفسه إلى التوسع السريع لبنك وادي السيليكون، على احتمال أن ذلك كان أحد أسباب نهايته.

حيث قال سائلا “هل نما بسرعة كبيرة لدرجة فاقت نمو موظفيه”، بما فيها نشأة بيكر في ريف شمال شرق إنديانا،

كانت عائلته تملك مزرعة مساحتها 300 فدان، وبعد تخرجه من جامعة إنديانا في إدارة الأعمال، التحق ببنك كوميريكا، الذي كان حينها مقرضا مقره ديترويت،

وبعد فترة وجيزة من الانتقال إلى فرع باي أيريا، لحق هو وزميل آخر رئيسهم مارك فيريسيمو ببنك وادي السيليكون.

في ذلك الوقت، كان بنك وادي السيلكون يعاني القروض العقارية المتعثرة،

كحال بنوك الإقراض التجاري الأخرى في الولايات المتحدة.

ثم قرر البنك في النهاية التخلص من هذه الأصول وتركيز موارده على صناعة التكنولوجيا المزدهرة.

أول القروض الكبيرة التي قدمها كان مبلغ 350 ألف دولار إلى شركة تواصل ناشئة،

كانت شركة سيسكو ستشتريها بعد بضعة أشهر مقابل مائة مليون دولار.

يميل بيكر، أثناء مناقشة عمله، إلى إظهار نوع من الجدية يتميز بها أهل منطقة الغرب الأوسط.

ولاية كولورادو

قال بيكر لراديو “بلومبيرج” قبل بضعة أعوام

“إذا كنت تعتقد أنك ساعدت الشركة، فستعود في الليل إلى المنزل شاعرا بالرضا، لأنك أحدثت فرقا في شركة تغير شيئا له أهمية في العالم”.

بحلول 1996، تم إرساله لافتتاح مكتب بنك وادي السيليكون في بولدر في ولاية كولورادو،

ثم عاد إلى كاليفورنيا الشمالية بعد بضعة أعوام لقيادة ذراع رأس المال المغامر للبنك، حيث حقق فيه نجاحا.

واتضح أن ركوب الدراجات كان أفضل من ممارسة الجولف لإنشاء شبكة علاقات مع أصحاب رأس المال المغامر في وادي السيليكون.

غالبا ما كان بيكر وفريق بنك وادي السيليكون يهيمنون على سباق خيري سنوي تبلغ مسافته مائة ميل من مدينة كارميل إلى هيرست كاسيل، كما كانوا أكثر من يجمع المال.

كان بيكر يستخدم جهات الاتصال الخاصة ببنك وادي السيليكون في مزارع الكروم في مقاطعة سونوما ونابا لاحتساء النبيذ وتناول الطعام مع أباطرة التكنولوجيا. فقد كان ذراع البنك المتميزة لإقراض مصانع النبيذ إحدى الوحدات التي احتفظ بها البنك بعد قراره استبعاد الآخرين والتركيز فقط على التكنولوجيا.

كما روى بيكر، أن انفجار فقاعة الدوت كوم في التسعينيات كان حدثا تكوينيا بالنسبة إليه وإلى البنك،

قال “عندما أنظر إلى الوراء أجد أن بعض أفضل علاقاتي في مجتمع رأس المال المغامر قد تشكل في تلك الفترة الزمنية

وعملت في مواقف صعبة لأنه كان يجب علي ذلك”.

وقد كان ذلك متناغما مع شعار كين ويلكوكس سلف بيكر ومعلمه، الذي قال “ضع العميل دائما في المقام الأول”.

في 2011، أصبح بيكر الرئيس التنفيذي لبنك وادي السيلكون وشركته الأم، سيليكون فالي بنك فاينانشيال جروب، فيما غادر ويلكوكس لتأسيس قاعدة في الصين.

الشركات الناشئة

عزز بيكر استراتيجية البنك المتمثلة في تسجيل آلاف من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، ثم تقديم الخدمات المصرفية لها -ولمديريها التنفيذيين- مع تقدمها.

كما يصف بيكر ذلك بقوله “أحضرهم مبكرا، وقدم الدعم لهم في جميع مراحلهم”.

كانت إحدى السمات المميزة للبنك هي رغبته في إظهار التساهل،

من خلال توفير شريان الحياة لشركة واعدة ما بين جولات التمويل، حتى لو كان أداؤها متقلبا.

إذ كان ذلك النوع من الالتزام يتماشى مع قيم البنك أكثر من تماشيه مع قيم المقرض.

فاز بنك وادي السيليكون بولاء مؤسسي الشركات وأصحاب رؤوس الأموال، وصد منافسيه من وول ستريت.

جمع بيكر الموظفين

عندما ضربت جائحة كوفيد – 19 في آذار (مارس) من 2020، جمع بيكر الموظفين

ووعدهم بضمان مكافآتهم مهما حدث. فقد كانت الفكرة، وفقا لأحد مصرفي بنك وادي السيليكون الممتنين

هي أنه من خلال تأمين مواردهم المالية الخاصة، يستطيع الموظفون بذلك التركيز بالكامل على العملاء.

كما أدرك بيكر أيضا أن عملاء مصانع النبيذ لبنك وادي السيليكون سيتضررون بشكل خاص بسبب قيود السفر

لذا قام بإنشاء فريق للمساعدة. قال المصرفي

“يمكن للناس أن يقولوا إننا نلبي احتياجات مجموعة من النخبة، لكنها تظهر كيف أن روح بنك وادي السيلكون تضع عملاءها أولا”.

عملاء البنك

في حين إن عديدا من عملاء البنك حديثي النشأة فشلوا بالتأكيد، يمكن لبنك وادي السيليكون الادعاء أنه قدم خدمات مصرفية لشركات مثل:

إيربنب وتويتر وأوبر وآخرين، منذ أيامها الأولى. كما أن شهادات الامتنان من المؤسسين تنتشر على موقع البنك الإلكتروني.

إلا أن بنك وادي السيليكون كان منغمسا في مجتمع واحد لدرجة أنه ربما أدى أيضا إلى الارتباك بشأن هويته.

“نحن لسنا مصرفيين، نحن أكثر من مجرد مصرفيين”، هكذا وصف المدير التنفيذي السابق الموقف السائد في البنك المقرض.

في 2021، جمعت الشركات المدعومة من الولايات المتحدة مبلغا قياسيا بلغ 344.7 مليار دولار.

وصلت ودائع بنك وادي السيليكون إلى 189 مليار دولار بحلول نهاية ذلك العام، بارتفاع من 49 مليار دولار مع نهاية 2018،

إذ كان كثير من تلك الأموال يودع من قبل شركات التكنولوجيا التي تدفقت عليها السيولة من المستثمرين.

لكن الودائع بدأت في التراجع العام الماضي مع ارتفاع أسعار الفائدة. فقد انتهى عصر المال السهل.

بنك وادي السيليكون

بحلول كانون الثاني (يناير)، بدأت المشكلات تتصاعد في محفظة سندات بنك وادي السيليكون وكان المعارضون يتساءلون عن آفاق البنك

فيما يستذكر أحد المصرفيين في بنك وادي السيليكون، الذي لم ير الفطنة المالية لبيكر كإحدى نقاط قوته العظيمة

بحلول الصيف، كنت ستستشعر في الأجواء أن الأمور لم تكن على ما يرام”. غير أن الرئيس التنفيذي كان متفائلا خلال مقابلة مع “فاينانشيال تايمز”.

“يجب أن يكون لدى اقتصاد الابتكار شركات تفشل، وإلا فإنها لم تكن تبتكر بما فيه الكفاية.

لذلك سيخرج مزيد من العناوين الرئيسية في 2023 حول معدلات الفشل وتسريح الموظفين.

لكن هذا جزء من الدورة التي تمر بها شركات التكنولوجيا وعلوم الحياة. لذلك لا ينبغي لأي أحد منا أن يفاجأ”.

جوشوا شافين من نيويورك المصدر: الاقتصادية

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى