صندوق النقد الدولي يصدر تقرير آفاق الاقتصاد الاقليم أكتوبر 2020
أدت التداعيات الاجتماعية والمالية لجائحة كوفيد-19 إلى انخفاض قياسي في النشاط الاقتصادي في كافة أنحاء العالم منذ الربع الثاني من العام 2020. وساهم إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً في تسارع وتيرة انتعاش بعض الاقتصادات مما أدى إلى انخفاض أقل حدة في الناتج المحلي الإجمالي للعام الحالي. وانطبق ذلك الأمر على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يتوقع الآن أن تشهد انخفاضاً أقل من المتوقع بنسبة 5.0 في المائة في العام 2020 مقابل الانخفاض الحاد بنسبة 5.7 في المائة وفقاً لتوقعات يونيو 2020 الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
ويعزى النمو الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمستويات أعلى مما كان متوقعاً بصفة رئيسية إلى رفع توقعات النمو الخاصة بمصر والتي من المتوقع لها الآن أن تشهد نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العام 2020 بنسبة 3.5 في المائة مقابل نسبة 2.0 في المائة الواردة ضمن التوقعات السابقة التي صدرت في أبريل 2020. ونرى من وجهة نظرنا أن الأداء الأفضل الذي شهده الاقتصاد المصري يسلط الضوء على فوائد تقليص الاعتماد على العائدات النفطية والاتجاه نحو تنويع الاقتصاد والاستفادة من ارتفاع التحويلات النقدية السخية أثناء الجائحة لاحتواء تأثيراتها السلبية على الاقتصاد وتمكين المستهلك بقدرة شرائية أعلى.
في المقابل، تراجع معدل النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي مقارنة بالتوقعات السابقة بمقدار 330 نقطة أساس، ومن المتوقع الآن أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمنطقة بنسبة 6.0 في المائة في العام 2020. وتم تعميق معدلتراجع الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي لكل دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء السعودية التي شهدت مراجعة تصاعدية بمقدار 140 نقطة أساس. وساهم تدهور معدلات النمو في تسليط الأضواء على التداعيات التي انعكست على عدة جبهات مختلفة من ضمنها تراجع أسعار النفط وانخفاض العائدات النفطية وكذلك هبوط معدلات الطلب على النفط على الصعيد العالمي. كما تضرر القطاع غير النفطي بشدة نظراً لتوقف الانشطة الاقتصادية خلال فترة الإغلاق.
إلا انه على الرغم من ذلك، أدى تراجع معدلات الإنفاق مقارنة بغيرها من الأسواق الناشئة بصفة عامة إلى احداث تأثيرات أقل على جبهة المالية العامة. حيث انه بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصفة عامة، بلغت قيمة الحزم المالية للتعامل مع تداعيات الجائحة نسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 3 في المائة لاقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية على مستوى العالم. وعلى الرغم من ذلك، كان هناك تباين ملحوظ في مستويات الإنفاق، إذ يتوقع تخطي نفقات بعض دول مجلس التعاون الخليجي تلك المبالغ بكثير، خاصة فيما يتعلق بإنقاذ الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما ساهمت إصدارات السندات بمستويات قياسية خلال الأشهر القليلة الماضية وانتعاش أسعار النفط جزئياً في تعزيز جبهة المالية العامة.
خفض توقعات الناتج المحلي الإجمالي النفطي على خلفية الهبوط الحاد للطلب على النفط وأسعاره…
خفض صندوق النقد الدولي معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي وغير النفطي لجميع دول مجلس التعاون الخليجي تقريباً في أحدث اصداراته من تقرير آفاق الاقتصاد الاقليمي. حيث تم خفض تقديرات الناتج المحلي الإجمالي النفطي بمقدار 590 نقطة أساس ليسجل تراجع بنسبة 6.2 في المائة في العام 2020، في حين بلغت مراجعة توقعات العام 2021 للناتج المحلي الإجمالي النفطي -200 نقطة أساس لتشير التوقعات الآن إلى توقع تعافي الناتج المحلي الإجمالي ليسجل نمواً بنسبة 1.2 في المائة. أما على صعيد الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، كان التعديل أقل بكثير، حيث بلغ -140 نقطة أساس للعام 2020 مع توقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.7 في المائة، بينما من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في العام 2021 بنسبة 2.9 في المائة بعد خفض التوقعات بمقدار -30 نقطة أساس.
ومن المتوقع أن تشهد عُمان أعلى معدل تراجع على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2020، حيث يتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10.0 في المائة، كما انها أيضاً الدولة الوحيدة التي يتوقع أن تشهد انخفاضاً حتى في العام 2021 وذلك على الرغم من انخفاض القاعدة المرجعية للعام 2020. وتعكس تلك المراجعة توقعات انخفاض إنتاج عمان من النفط بشدة من 0.96 مليون برميل يومياً وفقاً لتوقعات أبريل 2020 إلى 0.81 مليون برميل يومياً كما ورد في توقعات أكتوبر 2020. ومن المتوقع أن تكون مراجعة تقديرات العام المقبل أكثر حدة، حيث تشير توقعات التقرير السابق إلى تراجع الإنتاج النفطي من 1.01 مليون برميل يومياً إلى 0.76 مليون برميل يومياً في التقرير الأخير. ومن المتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في عمان انخفاضا حاداً بنسبة 8.0 في المائة في العام 2020، بينما من المتوقع تراجع الناتج المحلي الإجمالي النفطي بشكل حاد بنسبة 12.2 في المائة. ونرى أن الإعلان عن تطبيق عمان لضريبة القيمة المضافة خلال الستة أشهر المقبلة (بحلول أبريل 2021) سوف يدعم الإيرادات الحكومية وسيؤدي إلى مراجعة توقعات الناتج المحلي الإجمالي على المدى القريب.
ومن المتوقع أيضاً أن يظل الناتج المحلي الإجمالي لبقية دول مجلس التعاون الخليجي منخفضا في العام 2020 ليصل إلى معدل احادي الرقم ما بين متوسط إلى مرتفع لكل الدول الخليجية. أما بالنسبة للعام 2021، فمن المتوقع أن تتعافى معظم الاقتصادات وتسجل نمواً في الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن تشهد السعودية أعلى معدل نمو في العام 2021 بنسبة 3.1 في المائة تليها قطر والبحرين بنسبة 2.5 في المائة و 2.3 في المائة، على التوالي. وتعكس تلك المعدلات ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي النفطي وغير النفطي في السعودية، بينما من المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في قطر والبحرين هو المحرك الرئيسي.
امتثال الأوبك وحلفائها يعني انخفاض إنتاج النفط والصادرات في العام 2020 …
يعكس خفض توقعات الناتج المحلي الإجمالي للعام 2020 تراجع إنتاج النفط على خلفية تطبيق اتفاقية الأوبك وحلفائها التي اقتضت تعميق خفض حصص الانتاج خلال الفترة الممتدة ما بين مايو 2020 إلى يوليو 2020 وفي ظل الانتعاش التدريجي للإنتاج على مدار الأشهر التالية. ومن المتوقع أن يبلغ متوسط إنتاج النفط في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي 16.12 مليون برميل يومياً في العام 2020 مقارنة بالتوقعات السابقة البالغة 17.37 مليون برميل يومياً، ومن المتوقع أن يظل هذا المعدل ثابتاً إلى حد كبير خلال العام 2021 عند مستوى 16.16 مليون برميل يومياً. كما سينعكس انخفاض إنتاج النفط أيضاً على الصادرات النفطية للمنطقة. ومن المتوقع أن تصل صادرات النفط لدول مجلس التعاون الخليجي في العام 2020 إلى 11.57 مليون برميل يومياً مقابل 12.65 مليون برميل يومياً وفقاً لتوقعات أبريل 2020. وبالنسبة للعام 2021، من المتوقع الآن أن تنخفض صادرات النفط إلى 11.27 مليون برميل يومياً مقارنة بالنمو المتوقع في أبريل 2020. ويأتي هذا التراجع على خلفية الانخفاض السنوي المتوقع في الصادرات لأربع من أصل ست دول خليجية. ونعتقد أن توقعات صندوق النقد الدولي لإنتاج النفط تعكس بصورة ملائمة انخفاض الإنتاج النفطي خاصة في ظل اتفاقية الأوبك وحلفائها والتي ستشهد فقط تراجع تدريجي لتخفيضاتالإنتاج في العام 2021.
تصاعد الضغوط لإصدار أدوات الدين وغيرها من الوسائل لجمع الأموال…
أدى ارتفاع الإنفاق الحكومي لاحتواء جائحة كوفيد-19 إلى جانب انخفاض أسعار النفط إلى ارتفاع سعر التعادل النفطي في الموازنات الحكومية لدول مجلس التعاون الخليجي. ووفقاً لأحدث التقديرات، تم رفع أسعار التعادل النفطي لموازنات دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء البحرين، في كلأ من عامي 2020 و2021. وما تزال عمان في صدارة الدول الخليجية من حيث احتياجها إلى اعلى سعر تعادل نفطي لموازنة ميزانيتها في العام 2020 والذي يصل إلى 104.5 دولار أمريكي للبرميل، تتبعها كلا من البحرين والسعودية بسعر 93.16 دولار أمريكي للبرميل و78.2 دولار أمريكي للبرميل، على التوالي. وشهد سعر التعادل النفطي لعمان أعلى معدل ارتفاع في أحدث التقديرات الصادرة عن صندوق النقد الدولي بزيادة قدرها 17.7 دولار أمريكي للبرميل للعام 2020 و29.7 دولار أمريكي للبرميل للعام 2021، في حين تراوحت مراجعة توقعات بقية دول مجلس التعاون الخليجي معدلات أحادية الرقم تتراوح ما بين منخفضة إلى متوسطة.
وتسلط زيادة أسعار التعادل النفطي في الموازنات الخليجية الاضواء أيضاً على انخفاض متوسط أسعار النفط خلال العام الحالي وفي العام 2021، حيث يتوقع أن تظل عائدات النفط منخفضة. واستقرت أسعار مزيج خام برنت منذ بداية العام 2020 حتى تاريخه عند مستوى 41.12 دولار أمريكي للبرميل، ومن المتوقع أن تظل ثابتة حتى نهاية العام مع تسجيلها لنمو هامشي فقط. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يتراوح متوسط سعر النفط ما بين 42 و45 دولار أمريكي للبرميل. وسيؤدي انخفاض أسعار النفط إلى قيام الاقتصادات الخليجية بإصدار أدوات دين إضافية سعياً منها لتغطية النفقات المدرجة في الميزانيات، بالإضافة إلى إعادة صياغة السياسات التي تعمل على تحسين مشاركة القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد.