الهجمات السيبرانية تهدد الاقتصاد العالمي
الهجمات السيبرانية تهدد الاقتصاد العالمي
يهدد تطور الهجمات السيبرانية وتصاعدها على نحو لافت، بشلل الاقتصاد العالمي، لا سيما وأن القطاعات المالية الرئيسية تأتي في مقدمة القطاعات المستهدفة.
يدفع ذلك إلى “فاتورة كبيرة من الخسائر” على المستوى العالمي، سواء لجهة الأضرار التي تتكبدها الشركات والمؤسسات المختلفة (الحكومية والخاصة)
علاوة على خسائر الأفراد، بسبب نتائج تلك الهجمات بشكل مباشر،
وكذلك لجهة التوسّع في الإجراءات الحمائية وتقنيات الأمن السيبراني لمواجهة أية هجمات محتملة.
صارت الشركات تدرك ربما أكثر من أي وقت مضى، الأهمية المتزايدة لـ “الأمن السيبراني” وتخصص جزءاً من ميزانيتها لمواجهة التهديدات المحتملة.
الأيام القليلة الماضية كانت حافلة بالهجمات مختلفة الحدة والخطورة، وهو ما يؤكد التقديرات الواسعة التي تشير
إلى تفاقم محتمل للهجمات بوتيرة أسرع من العام الماضي، وفي ظل التطور في الأدوات التكنولوجية
بما في ذلك أدوات الذكاء الاصطناعي، وتقنيات “التزييف العميق” وغيرها من الأمور ذات الصلة.
قال خبير تكنولوجيا المعلومات، الدكتور أحمد بانافع، تسلط الهجمات السيبرانية الأخيرة (ومنها الهجمات التي تعرض لها أكبر بنك في العالم) الضوء على التطور المتزايد للتهديدات السيبرانية.
يستخدم المهاجمون تقنيات متقدمة، مثل برامج الفدية والبرامج الضارة والهندسة الاجتماعية لاختراق الأنظمة الرقمية.
غالباً ما تستغل هذه الهجمات نقاط الضعف في البرامج والأجهزة والسلوك البشري، مما يجعل من الصعب اكتشافها والتخفيف منها.
ويوضح أن الهجمات السيبرانية لا تقتصر على صناعات محددة؛
فهي تستهدف مجموعة واسعة من القطاعات الحيوية لعمل الاقتصاد العالمي. وتعد المؤسسات المصرفية والمالية وشبكات الطاقة وأنظمة الرعاية الصحية وشبكات النقل من بين الأهداف الرئيسية.
تضخيم التأثير
ويؤدي الترابط بين هذه القطاعات إلى تضخيم التأثير المحتمل للهجوم السيبراني الناجح، مما يؤدي إلى اضطراب واسع النطاق.
كما يتطرق خبير تكنولوجيا المعلومات إلى العواقب الاقتصادية الناجمة عن ذلك، موضحاً أن:
العواقب الاقتصادية للهجمات السيبرانية تمتد إلى ما هو أبعد من الخسائر المالية المباشرة.
يمكن أن تؤدي الاضطرابات في البنية التحتية الحيوية إلى فترات توقف طويلة، مما يؤثر على الانتاجية ويسبب صعوبات مالية للشركات.
علاوة على ذلك، فإن فقدان البيانات الحساسة والملكية الفكرية وثقة العملاء يمكن أن يكون له تداعيات طويلة المدى على الكيانات المتضررة، مما يسهم في انكماش اقتصادي أوسع نطاقا.
تلعب الحكومات دوراً محورياً في التصدي للتحديات التي تفرضها الهجمات السيبرانية.
إن إنشاء لوائح قوية للأمن السيبراني، والاستثمار في البحث وتطوير آليات الدفاع المتقدمة، وتعزيز التعاون الدولي هي مسؤوليات رئيسية.
تحتاج الهيئات التنظيمية إلى التكيف بسرعة مع مشهد التهديدات المتطور، مما يضمن التزام الصناعات بمعايير الأمن السيبراني الصارمة.
ومن أجل مكافحة التهديدات السيبرانية بشكل فعال، يعد الاستثمار الكبير في الأمن السيبراني أمرًا ضروريًا.
ولا يتضمن ذلك تحديث البنية التحتية الأمنية الحالية فحسب، بل يشمل أيضًا تعزيز الابتكار في تقنيات الأمن السيبراني.
وينبغي أن تركز جهود البحث والتطوير على إنشاء أنظمة مرنة يمكنها تحديد التهديدات الناشئة وتحييدها بشكل استباقي.
التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص
وبحسب بانافع، يعد التعاون بين القطاعين العام والخاص أمرًا ضروريًا للتخفيف من تأثير الهجمات السيبرانية.
إذ يجب على الحكومات والشركات تبادل المعلومات المتعلقة بالتهديدات وأفضل الممارسات والموارد من أجل تعزيز الوضع العام للأمن السيبراني بشكل جماعي.
ويمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص أن تعزز قدرات الاستجابة للحوادث وتسهل اتباع نهج منسق لإدارة المخاطر السيبرانية.
الأمن السيبراني هو مسؤولية مشتركة تمتد إلى المستخدمين الأفراد. يعد تعزيز الوعي بالأمن السيبراني وتثقيف المستخدمين بشأن الممارسات الآمنة عبر الإنترنت من المكونات الحاسمة لاستراتيجية الدفاع الشاملة.
يكون المستخدمون المتمكنون أقل عرضة لأساليب الهندسة الاجتماعية ويساهمون في خلق بيئة رقمية أكثر مرونة.
هجمات الفدية
وبحسب بيانات كراودسترايك (شركة أميركية لتكنولوجيا الأمن السيبراني ومقرها في أوستن)، و تك كرانش (المختصة بالأخبار التكنولوجية)، فإنه من المتوقع أن يصل عدد هجمات برامج الفدية خلال العام الجاري 2023 إلى 960 هجمة، مقارنة بـ 795 هجمة في 2022، و1365 في 2021، و1161 في 2020، و400 في 2019.
وفيما تتسارع وتيرة الهجمات، تصدى عدد من المؤسسات خلال الأيام القليلة الماضية لهجمات متفرقة، من بينها على سبيل المثال أكبر بنك في العالم (من حيث الأصول) لهجة سيبرانية عطلت تداولات سندات الخزانة.
شركة خدمات مالية تابعة للبنك الصناعي والتجاري الصيني ICBC، ومقرها في نيويورك، تعرضت لهجوم فدية تسبب في تعطل بعض الأنظمة.
أدى الهجوم إلى تعطيل تداول سندات الخزانة.. وقام البنك بفصل أجزاء من الأنظمة المتضررة في محاولة للحد من أثر الهجوم.
أفادت تقارير صحافية بأن جماعة “لوك بت”، وهي عصابة برامج فدية ناطقة بالروسية، هي المسؤولة عن تنفيذ الهجوم.
ومن الوقائع الأخيرة في الأيام الأخيرة، تعرض موانئ استراليا لحادث له صلة بالأمن السيبراني، وصفته الحكومة الأسترالية بأنه “كبير”.
فيما صدت الجهات المعنية في ميناء القاهرة الجوي لهجوم استهدف موقعها الإلكتروني، ما أدى إلى تعطيله مؤقتاً، دون أن يتسبب في التأثير على الأنظمة.
وفيما تداول ناشطون عبر منصات التواصل تعرض شركة “فوري” في مصر لهجمات، أصدرت الشركة بياناً نفت فيه تلك الأنباء.
زيادة المخاطر
من جانبه، يقول خبير التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، إنه كلما زاد الاعتماد على التقينات الرقمية والتكنولوجية بالاقتصادات والمؤسسات المختلفة زادت بطبيعة الحال احتمالات التعرض للهجمات الإلكترونية والسيبرانية، والتي أدت وتؤدي إلى تعطيل العمليات التجارية وسرية البيانات، علاوة على مخاطر الأمن القومي.
ويشير إلى أن “الهجمات تستهدف جميع الجهات، سواء بيانات الأفراد والمؤسسات والجهات الحكومية والجمعيات وغير ذلك، وبما يؤدي إلى خسائر مالية واسعة تتكبدها الاقتصادات”
لافتاً إلى تقرير سابق صادر عن شركة مايكروسوفت قدّر حجم الخسائر السنوية الناجمة عن الهجمات بأكثر من تريليون دولار.
ويضيف: “الهجمات السيبرانية تهدد بتعطيل العمليات التجارية بشكل واسع، وبالتالي فقدات الإنتاجية والإيرادات، وتأخر القود وتعريض الشركات والمؤسسات للجزاءات والغرامات المترتبة على ذلك.. إلخ”.
كما يتحدث في الوقت نفسه عن أن تلك الهجمات تطال بيانات ومعلومات تمس الأمن القومي في بعض الأحيان، بما في ذلك بيانات عملاء كبار من ذوي المناصب الحساسة والدبلوماسية، علاوة على المعلومات الاستخباراتية.
خسائر اقتصادية
وهجمات برامج الفدية من بين أكثر أشكال الهجمات السيبرانية شيوعاً.
فيما تشير التقديرات إلى تفاقم محتمل لكلفة الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الهجمات السيبرانية خلال الفترات المقبلة، لا سيما في ضوء تطور أدوات وتقنيات الهجمات، ورغم تطور أدوات المواجهة أيضاً.
خلال العام 2022 ارتفعت الهجمات الإلكترونية -بمختلف أشكالها- بنسبة 38 بالمئة (على المستوى العالمي).
أدت الهجمات إلى خسارة 8.4 تريليون دولار أميركي، مقابل 5.99 تريليون دولار في العام 2021، وفق بيانات ستاتيستا.
تشير التقديرات إلى أنه من المحتمل أن تتجاوز كلفة الهجمات على الاقتصاد العالمي مستوى الـ 11.5 تريليون دولار خلال العام الجاري، وفي ظل النمو المطرد للأنشطة غير القانونية عبر الإنترنت.
الولايات المتحدة من أكثر الدول تعرضاً لهذا النمط من الهجمات.
من بين أبرز القطاعات الأكثر عرضة للهجمات: الخدمات والتمويل والبيع بالتجزئة والرعاية الصحية، والمواصلات والبناء والطاقة والتصنيع والدفاع.
ويشير الناطور إلى الجهود التي يتعين التوسع فيها من أجل حماية الشركات والأفراد والدول وتعزيز الأمن السيبراني، على النحو التالي:
التشريعات الخاصة بتنظيم الأمن السيبراني، وتغليظ العقوبات على الجهات المسؤولة عن الهجمات.
التوسع في الاستثمارات بالأمن السيبراني (من خلال الدول والشركات الكبرى) بالنسبة للمؤسسات
التي تستخدم التكنولوجيا بشكل واسع في أنظمتها المالية، من أجل حماية تلك الأنظمة.
التعاون الدولي وتبادل المعلومات، ذلك أن يتعين على الدول -بغض النظر عن الخلافات وحتى المنافسة- أن تعزز أطر التعاون المشترك لتفادي الخسائر الناجمة عن الهجمات السيبرانية والتي تؤثر بالاقتصاد العالمي.
ويشار إلى أن التهديدات السيبرانية المتصاعدة على الاقتصاد الدولي تتطلب نهجا تعاونيا متعدد الأوجه.
ومن تعزيز تدابير الأمن السيبراني إلى تعزيز الابتكار، يجب على الحكومات والشركات والأفراد العمل معا لمواجهة التحديات الناشئة التي تفرضها الهجمات السيبرانية.
المصدر: اقتصاد سكاي نيوز عربية