أمريكا المريضة هل تنافس الصين

أمريكا المريضة هل تنافس الصين

أمريكا المريضة غير قادرة على المنافسة .. الاقتصاد يتكبد 258 مليار دولار سنويا

إذا كانت الصحة تعني الثروة كما يقول القول المأثور، فإن المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة يبدو قاتما،

وبعد أن تمتعت الولايات المتحدة تقليديا بأعلى مستويات الصحة العامة في العالم تبدلت الأوضاع الآن.

وفي الحقبة الاستعمارية، كان الرجل الأمريكي العادي أطول بما بين بوصتين وثلاث بوصات عن نظيره الأوروبي، وفقا للسجلات العسكرية،

وهي حقيقة كانت مبهرة لخبراء الديموغرافيا التاريخيين الذين يرون أن طول الإنسان يتناسب طرديا مع طول متوسط العمر والتطور المعرفي والقدرة على العمل.

التفوق الصحي

واليوم تحول التفوق الصحي لأمريكا إلى عجز،

فالأمريكي العادي أقصر من نظيره في شمال أوروبا، وهذا الفارق يتسع بمرور الوقت.

كما أن ستة من كل عشرة أمريكيين يعانون مرضا مزمنا واحدا، وأربعة من كل عشرة يعانون مرضين مزمنين.

وهذا الواقع هو ما دفع ويليام جلاستون الكاتب الأمريكي إلى القول في مقالة نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال”،

إن “أمريكا مجتمع مريض بالمعنى الحرفي للكلمة”.

تدهور الصحة في أمريكا

 وفي التحليل، الذي نشرته وكالة “بلومبيرج” للأنباء،

قال الكاتب الأمريكي أدريان جولدبرج، إن تدهور الصحة في أمريكا أصبح مشكلة اقتصادية متزايدة.

وتراجع معدل مشاركة الأمريكيين في قوة العمل إلى 62.4 في المائة

ووصل عدد الوظائف الخالية إلى 11 مليون وظيفة مقابل وجود 5.7 مليون أمريكي فقط يبحثون عن وظائف، بحسب غرفة التجارة الأمريكية.

في حين اختفى نحو2.8 مليون شخص من قوة العمل الأمريكية منذ شباط (فبراير) 2020،

في المقابل يشكو أصحاب العمل في الولايات المتحدة، كثرة تغيب العمال عن العمل وضغوط الوظائف

إضافة إلى عجزهم عن إيجاد العمال المطلوبين لشغل الوظائف لديهم، وفي الوقت نفسه ترتفع نفقات الرعاية الصحية.

تصاعد التوترات

لكن في ظل تصاعد التوترات مع كل من روسيا والصين، يصبح القصور الصحي في الولايات المتحدة مشكلة أمن قومي أيضا.

وكشف مسح أجرته وزارة الدفاع الأمريكية 2020، أن أكثر من ثلاثة أرباع الشباب الأمريكي الذين تراوح أعمارهم بين 18

و24 عاما غير لائقين طبيا للخدمة العسكرية، في ظل معاناة أغلبهم السمنة.

ويقول جولدبرج مؤلف كتاب “أرستقراطية الموهبة:

كيف صنعت الجدارة العالم الحديث”

إن انخفاض متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة هو أوضح أدلة تدهور الحالة الصحية للمجتمع الأمريكي كله.

ففي 2014، تراجع متوسط الأعمار في الولايات المتحدة إلى 76.1 عام

وهو أقل رقم منذ 1996، في المقابل يزداد متوسط العمر للألمان عن الأمريكيين بمقدار 4.3 عام في 2021 مقابل 2.5 عام في 2018.

متوسط عمر الفرنسيين

كما زاد متوسط عمر الفرنسيين عن الأمريكيين 2021 بمقدار ستة أعوام مقابل أربعة أعوام فقط 2018.

كما تعاني الولايات المتحدة أحد أعلى معدلات السمنة في العالم المتقدم

حيث زادت نسبة السمنة بين الأمريكيين من 15 في المائة 1980 إلى 30.5 في المائة في 2000 ثم إلى 41.9 في المائة في 2020.

وتبلغ هذه النسبة عشرة أمثال النسبة في اليابان وتزيد بشدة عن النسبة في الصين.

وترتبط السمنة بمشكلات صحية عديدة، منها:

أمراض القلب، الاكتئاب، ضغط الدم المرتفع، والسرطان، التي تصيب نحو 13 في المائة من السكان في الولايات المتحدة وتكبد أصحاب العمل الأمريكيين نحو 90 مليار دولار سنويا.

جائحة فيروس كورونا

وجاءت جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد” لتقدم دليلا إضافيا على انهيار التفوق الأمريكي في مجال الصحة

حيث ظل معدل الوفيات من المرض في الولايات المتحدة أعلى منه في أغلب الدول المتقدمة الأخرى.

ففي الولايات المتحدة بلغ المعدل 339 وفاة لكل مائة ألف أمريكي مقابل 254 وفاة

لكل مائة ألف في فرنسا و201 لكل مائة ألف في ألمانيا و134 وفاة لكل مائة ألف في كندا، بسبب فقر نظام الرعاية الصحية الأساسية في الولايات المتحدة.

وأدت الجائحة إلى تراجع حاد في معدل المشاركة في قوة العمل بالولايات المتحدة

وهو التراجع الذي لم تتعاف منه البلاد رغم انحسار الجائحة.

كوفيد الممتد

كما أدت إلى إرث أطول مدى يعرف باسم مشكلة “كوفيد الممتد”، التي مازال الأطباء يحاولون فهمها، وتصيب الناس بمشكلات صحية

مثل: الشعور بالتعب وقصر النفس والتوهان.

ويقول معهد بروكينجز الأمريكي، إن ثلاثة ملايين أمريكي بما يعادل نحو 1.8 في المائة من قوة العمل المدنية في البلاد خرجوا من سوق العمل بسبب الكوفيد الممتد

ما يعني خسارة الاقتصاد الأمريكي نحو 168 مليار دولار سنويا، ليصل الإجمالي إلى 258 مليار دولار.

كما أن مشكلات الصحة النفسية تماثل خطورة مشكلات الصحة الجسدية رغم صعوبة قياس الأولى أو تشخيصها.

وأظهر تقرير صادر عن مركز مكافحة الأمراض الأمريكي أنه في 2021 فكر نحو ثلث طالبات المرحلة الثانوية في الولايات المتحدة جديا في الانتحار.

الشعور بالاغتراب

ويعاني الشباب الشعور بالاغتراب مع ارتفاع معدلات التسرب من التعليم

وتراجع معدلات الالتحاق بالجامعات. ولا شيء من كل هذا يبشر بمستقبل أفضل للولايات المتحدة.

ويقول جولدبيرج، إن معالجة أزمة الرعاية الصحية في الولايات المتحدة أصعب من معالجة مشكلة تدهور مستوى التعليم. فصناعة الوجبات السريعة تمتلك نفوذا ضخما

وتفرض على السكان خاصة الفقراء طعاما مشبعا بالدهون والملح، بينما تتحدث عن أشياء جيدة مثل الحوكمة البيئية والاجتماعية.

كما أن صناعة الرعاية الصحية الأمريكية عبارة عن مجموعة ضخمة من المصالح الخبيئة والحوافز المنحرفة.

صناعة التبغ

ورغم ذلك، فإن صعوبة إصلاح الصحة في أمريكا لا يعني استحالته

فقد تصدت الولايات المتحدة لنفوذ صناعة التبغ ونجحت، وأصبح معدل التدخين لديها

هو الأقل بين الدول المتقدمة، خاصة في جنوب أوروبا، حيث مازال الناس يدخنون أثناء تناول الطعام.

ويحتاج الأمريكيون إلى التحلي بالإصرار نفسه الذي حاربوا به التدخين، في مواجهة الوجبات الجاهزة والسريعة.

عليهم البدء في التفكير في حالة السكان الصحية، كما فعل الليبراليون في بريطانيا في أوائل القرن الـ20 عندما أدركوا أنهم لن يتمكنوا من الوقوف في وجه ألمانيا عسكريا

واقتصاديا دون تحسين مستوى الصحة العامة للبريطانيين أولا.

فالصحة الجيدة ليست مجرد أمر لطيف، لكنها مكون حيوي من مكونات القدرة التنافسية الوطنية. وضعف الصحة ليس مأساة للفرد الذي يعانيها، إنها تكبح جماح إنتاجية الدولة وقدرتها على الدفاع عن نفسها، لذلك يمكن القول وبوضوح، إن الولايات المتحدة المريضة المنهكة صحيا لا تستطيع كسب المنافسة الحالية مع الصين سواء على الصعيد الاقتصادي أو حتى العسكري.

المصدر: الاقتصادية

لمشاهدة فيديوهات عن منتجات وخدمات البنوك أضغط هنا…

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى